هكذا يعيش العاملون في الصفوف الأولى لمواجهة كورونا

  • PDF

تضحيات.. مخاوف وقرارات مصيرية
هكذا يعيش العاملون في الصفوف الأولى لمواجهة كورونا

نسيمة خباجة 
يعيش العاملون في الصفوف الأولى لمنع انتشار فيروس كورونا من الأطباء والممرضين والصيادلة وسائقي سيارات الإسعاف ورجال الامن بكل فروعهم والحماية المدنية وحتى باعة المواد الغذائية المستمرين في عملهم حربا داخلية على مدار الساعة بسبب الضغوط النفسية التي يتعرضون لها أثناء تأدية مهامهم في الوقت الحالي خصوصا وانهم مهددين بانتقال العدوى في كل وقت وحين.
سجلت الجزائر عدة وفيات واصابات في السلك الطبي وسلك الشرطة وسلك الحماية المدنية بعد انتقال عدوى كورونا الى هؤلاء اثناء ممارسة مهامهم النبيلة ويتعرض هؤلاء الى تحديات كبرى اثناء تأدية عملهم. 
و للضغوط النفسية التي يتعرض لها هؤلاء أسباب عديدة من بينها شروط العزل الصارمة والمتعلقة بارتداء ملابس معينة لفترات طويلة وهي ملابس مقيدة للأنشطة بشكل كبير فضلا عن مخاوف أفراد تلك الفئات من احتمالية اكتساب العدوى ونقلها لأسرهم.

تغير نظام الحياة 
وجد الكثير من العمال الذين تفرض عليهم مهامهم استمرار العمل على غرار عمال المستشفيات والعيادات العمومية انفسهم وجها لوجه في استقبال المرضى المصابين بكورونا بحيث يؤدون مهامهم بكل تفان لكن يتخوفون ايضا من حمل عدوى المرض وحملها الى اسرهم بحيث طالب بعض اعوان الامن بمستشفى البليدة الذين يتجندون لاستقبال المصابين بتخصيص فنادق لمبيتهم قصد تقليص احتمال نقل العدوى الى عائلاتهم في حال لا قدر الله وان اصيبوا بعدوى كورونا.
تقول احدى الممرضاتوهي أم لطفلين 5 و7 سنوات تعمل في الجناح المخصص لعزل المصابين بفيروس كورونا خلال الشهر الأخير تغير نظام حياتي بشكل شبه تام حين أعود إلى المنزل وبمجرد أن يفتح الباب كان طفلي الصغير يلهث نحوي محاولا احتضاني كما تعود طوال السنوات الماضية لكنه فوجئ بي ولعدة أيام متتالية أبعده عني مرددة الحجة تلو الأخرى حتى بدأ يتفهم الأمر بمرور الوقت .


مخاوف من نقل الفيروس الى ذويهم 


يتخوف الكثير من العاملين في القطاعات الحساسة المجندة لمواجهة الوباء والتكفل بالمصابين من نقل العدوى الى ذويهم وهو تخوف يواجهونه على مدار الساعة حتى ان هناك من العمال العاملين في اقسام الانعاش واستقبال المرضى المصابين بكورونا من قرروا المكوث في المستفيات وتجندوا لخدمة المرضى وفي نفس الوقت لا ينقلون العدوى الى عائلاتهم وهو ما جاء على لسان ممرض من مستشفى البليدة من قسم الانعاش بحيث فضل المكوث في المستشفى لمدة شهر من اجل خدمة المرضى وابعاد العدوى عن اهله. اما احدى الممرضات التي لها مسؤولية تجبرها على العودة الى البيت فتقول: إن كل همها حين تعود إلى المنزل هو كيفية الوصول إلى الحمام بأسرع وقت لتلقي بكامل ملابسها داخل غسالة الملابس خوفا من حملها الفيروس عقب ارتدائها نهاية الدوام الذي يبدأ يوميا في السابعة صباحا وينتهي عند الثانية ظهرا.
وعلى العموم يحتل الخوف من الإصابة بالفيروس أو نقله إلى ذويهم صدارة المخاوف التي يعاني منها العاملون في الصفوف الأمامية إذ تشير الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن 3387 من ممارسي الصحة في الصين أصيبوا بالعدوى فيما سجلت إيطاليا وفرنسا وفاة العديد من الأطباء خلال الأيام الماضية وأصيب 500 طبيب وممرض في باريس وحدها.
وتصف احدى الممرضات الدقائق الأولى لدخولها المستشفى يوميا بأنها مليئة بالخوف رغم كل الاحتياطات المتخذة إذ تخشى الضغط على زر مصعد يعلق به الفيروس لأي سبب أو لمس مقود أحد الأبواب قبل أن تصل إلى غرفة تبديل الملابس لارتداء اللباس الواقي وهي مخاوف تظل مستمرة معها طوال فترة تعاملها مع المرضى إذ يكون عليها الالتزام بالملابس الواقية والكمامة التي لا تنزعها إلا حين تناول الطعام.


الإقامة بعيدا عن العائلة.. حل 
يقول احد اطباء الصحة الوقائية إن الطبيب مهما كان متمرسا وملما بطرق انتقال العدوى تظل تطارده المخاوف لذا فهو يحرص على تحاشي الاختلاط بعائلته منذ بداية الأزمة وهو أمر تم على مرحلتين الأولى كان يقيم خلالها مع أبنائه عند عودته لإحضار ملابسه أو احتياجاته الشخصية مع حرصه على التباعد الاجتماعي قبل أن يقرر الإقامة في منزل آخر بعيدا عن أطفاله رغم أنه يترك المحجر مرة أو مرتين فقط خلال الأسبوع.
و يقول انه يعيش في العمل بقاعدة أن الجميع أمامه مصابون يخشى أن تنتقل إليه العدوى منهم أما حين يعود إلى المجتمع فتتبدل القاعدة ليعتبر نفسه مصابا يخشى نقل العدوى للآخرين وهو ما يزيد الضغوط التي يتعرض لها خلال العمل الذي لا يخلو من لحظات صعبة خاصة تلك التي يقوم خلالها بإبلاغ أحد المحجورين بأن حالته إيجابية وهي لحظة يصفها بأنها ثقيلة جدا على نفسه ونفس المحجور عليه كذلك.


عندما يبكي الاطباء.. 
يرى المختصون في علم النفس ان العاملين في الصفوف الأمامية في بلدان انتشر فيها الوباء وفي ظل الانتشار الواسع لفيروس كورونا ومع نقص المعدات التي يحتاجها المرضى من ذوي الحالات الحرجة يجدون أنفسهم في وضع شديد الصعوبة حين يتطلب الأمر منهم اتخاذ قرارات مصيرية. فالأطباء في تلك البلدان سيضطرون في مرحلة معينة إلى تقرير من يتلقى الرعاية الطبية المثلى ومن يحصل على مستوى رعاية أقل وهو أمر يتطلب إعدادا نفسيا هائلا لما يتسبب فيه من ضغط عصبي.
ونقلت وسائل إعلام عالمية لقطات وصورا للعديد من الأطباء والممرضين ينهمرون في البكاء خلال عملهم إما لعجزهم عن إنقاذ حياة أحد المرضى أو لشعورهم بالضغط نتيجة زيادة عدد الحالات مقارنة بالإمكانيات المتاحة.


ضوابط العمل بالصفوف الأمامية
إضافة إلى القرارات الصعبة هناك تأثير مباشر للعمل ساعات طويلة خلال الأزمة الراهنة على التفات الأطباء لحاجاتهم الفردية وظروفهم الصحية إذ يعاني بعضهم من أمراض مزمنة مثل السكري والضغط ورغم ذلك يعملون لساعات تفوق قدرتهم على التحمل.
فمن الضروري وجود ضوابط تحكم ساعات عمل الأطباء في الصفوف الأمامية وألا يترك الأمر لرغبتهم العارمة في العطاء لتأثير ذلك على مستوى الخدمة وجودتها نتيجة التأثير على تركيز الطبيب وانفعالاته العصبية بل وحالته الصحية. 


ضرورة الرعاية النفسية للعاملين في القطاع الصحي 
يتطلب تدارك تلك السلبيات وجود نظام يطبق بصرامة للعناية بالحالة النفسية للعاملين في الصفوف الأمامية يبدأ بوضع جدول لتوزيع العمل وساعات الراحة والحصول على الطعام الصحي إضافة إلى إلزام الفريق الطبي بأوقات محددة للاجتماع للحصول على الدعم وتبادل الخبرات وتشجيعهم على التواصل مع ذويهم وأصدقائهم عبر وسائل التواصل المختلفة.
كما يوصي المختصون في علم النفس بضرورة ضمان الاستقرار النفسي لهؤلاء العاملين ومعرفة أن خوفهم وتوترهم أمر طبيعي ولا يعني عدم كفاءتهم كما أن رغبتهم في الاستقرار النفسي لا تعني الأنانية.