القنادسة.. مركز إشعاع حضاري بجنوب غرب الجزائر

  • PDF


تاريخها يعود إلى آلاف السنين..
القنادسة.. مركز إشعاع حضاري بجنوب غرب الجزائر


تُعتبر مدينة القنادسة الواقعة غرب عاصمة ولاية بشار جنوب غرب البلاد من أهم الحواضر الصحراوية بالجزائر بتاريخها العريق وجمالها الطبيعي ومعالمها التراثية والدينية والثقافية والسياحية وكذا شخصياتها الأدبية والفكرية الشاهدة على فرادتها وتميزها.
 
ي. تيشات
يمثل القصر العتيق للقنادسة الذي يزيد تاريخه على الثمانية قرون من أهم رموز المدينة وأحد أروع قصور بشار ومنطقة الساورة من حيث جمال العمران وثراء التاريخ ورغم أن أغلب مبانيه قد تهدمت إلا أنه لا يزال يحافظ على حيه المركزي المعروف بحي القصبة العتيق بما يضمه من مسجدين قديمين ومقبرة والعديد من الدروب الضيقة كما يعرف ايضا هذا القصر الرائع المشيد بالطوب والحجارة وسعف النخيل بزاويته الزيانية التي كان لها مريدون في مدينة تمبكتو المالية ومنطقة الساحل وفي الجزائر إلى غاية البليدة شمالا وكذا الخزانة الزيانية القندوسية التي أسسها أحد أبناء القصر وتضم الكثير من المخطوطات القديمة والنادرة في الدين والتصوف والأدب وتاريخ المنطقة.
 
أدوات حجرية استعملها الإنسان القديم بالمنطقة
ويعود تاريخ القنادسة إلى آلاف السنين ويضم متحفها البلدي للتراث مجموعة من الأدوات الحجرية التي كان يستعملها الإنسان القديم بالمنطقة على غرار المكاشط والمزامل ورؤوس السهام والرماح والمدقات الحجرية بالإضافة للعديد من الرسومات الصخرية حسب ما لوحظ بعين المكان كما يضم المتحف العديد من الحيوانات المحنطة التي تعكس ثراء وتنوع الحياة الطبيعية بالمنطقة والساورة ككل من طيور وثعابين وسحالي وقضاعات ووعول والتي تعيش في البراري أو بجانب سد جرف التربة (30 كلم عن القنادسة) بالإضافة لمستحاثات وجدت بها تعود لملايين السنين.
وتعرف الساورة أيضا بجمالها الطبيعي الآسر من جبال صخرية وكثبان رملية وواحة خلابة بني بجانبها القصر العتيق بالإضافة لسد جرف التربة الذي يقصده السياح لمشاهدة غروب الشمس وهو من أكبر سدود الجزائر وتعيش فيه أنواع مختلفة من الأسماك كما تقصده الطيور المهاجرة.
تتميز القنادسة كذلك بتراثها اللامادي كموسيقى الفردة كما تعرف أيضا بعدد من الرقصات الفلكلورية على غرار رقصة البركايشو التي تؤدى سنويا في إطار مهرجان تنكري حيث يرتدي المشاركون ألبسة في شكل حيوانات كالجمل والخفافيش ويتبعون زعيمهم البركايشو وهو رجل بثياب من القش يرقص على إيقاعات الطبل والقرقابو بالإضافة إلى ذلك تشتهر أدبيا وفكريا بالعديد من الشخصيات التي من أشهرها الروائيين محمد مولسهول المعروف بياسمينة خضرا ومليكة مقدم والكاتب الفيلسوف والخبير بيار رابحي والعديد غيرهم من الكتاب والروائيين ويعرض متحف التراث البلدي مجموعة من مؤلفات هؤلاء الكتاب باللغتين العربية والفرنسية كما تشتهر المدينة بأنّها موطن عازف العود البارع عبد العزيز عبد الله المشهور باسمه الفني علا البشاري أو علا الفوندو نسبة لنمط خاص به في العزف يسمى الفوندو وهي موسيقى عود متميزة هادئة وارتجالية تجمع بين البعدين الجزائري الصحراوي التقليدي والإفريقي نسبة لمنطقته.
 
مناجم الفحم.. ذاكرة مأساوية
تعتبر مناجم الفحم القديمة بالقنادسة من أشهر معالم المدينة إذ يعود اكتشاف الفحم بها إلى بدايات القرن العشرين ومعه تأسس الحي الأوروبي خارج القصر العتيق قبل أن يصبح صناعة كبيرة في الثلاثينيات والأربعينيات جلبت عمالا من دول الجوار وأوروبا بحيث وعند مدخل المدينة يجد الزائر آلة ضخمة صدئة من العهد الاستعماري لم يبق منها إلا الهيكل ونسخة مطابقة لعربة قطار لنقل الفحم علقت عليها لافتة كتب عليها مدينة المناجم بالإضافة للكثير من الرواسب الفحمية المتراكمة إلى اليوم داخل النسيج الحضري على مساحات كبيرة سوداء اللون حيث بقيت هذه الصناعة بالمدينة تراثا حزينا في ذاكرة القندوسيين يقول ابراهيم أحد سكانها الذي يضيف أن المستعمرين الفرنسيين كانوا يستغلون أصحاب الأرض بأبشع الطرق ويعرضونهم للموت حرقا أو ردما داخل الأنفاق المظلمة وكثيرون منهم بترت أطرافهم إضافة إلى معاناتهم من أمراض تنفسية مزمنة مازالوا يعانون منها إلى اليوم كـ السيليكوز ومختلف أمراض الحساسية.


الفحم اكتشفه قندوسي
ويضم متحف التراث البلدي للقنادسة ذاكرة حول المنجم وتاريخه من آلات حفر وخوذ وفؤوس وبطاريات ومصابيح وآلات نفخ خاصة بإشعال النار وعربات لنقل الفحم بالإضافة للعديد من الوثائق التي ترصد حوادث العمل آنذاك وقصاصات جرائد توثق بدورها لبعض الكوارث التي أصابت مستخرجي الفحم وأغلبهم جزائريين وهوما أشارت اليه مستشارة بالمتحف أمينة بلحفيان التي أفادت أن الفحم اكتشف بالقنادسة في 1906 من طرف جزائري قندوسي قبل أن يكون أول استغلال له من طرف المستعمر في 1917 وفي الثلاثينيات والأربعينيات تطورت صناعته وصار يصدر إلى فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ليتوقف بعد الاستقلال في 1967 مضيفة أن استخراج الفحم سمح بـ توفير بحبوحة مالية للفرنسيين وإدخال الطاقة الكهربائية للمدينة غير أن الاستفادة منه كانت فقط لصالح المعمر.