إيّاكم والمِرياعَ ذا الهيبة الفارغ!.

  • PDF

لا تغرنّكم المظاهر والأجراس الطنانة والرنانة والهيبة المغشوشة
إيّاكم والمِرياعَ ذا الهيبة الفارغ!. 

مساهمة: أبو إسماعيل خليفة

تقول المحكيات الموروثة عند العرب: إنّ الراعي يختار الخروف الذي يريد له أن يكون مرياعاً منذ ولادته فيعزله عن أمه قبل أن يرضع منها ثم يدربه على الرضاعة من إناء مثبت في خُرج حمار ومن حين لأخر يضع الراعي إصبعه في إناء الحليب ليمتص الخروف منها كأنها حلمة ثدي أمه حتى يسود لديه فكرة بأنّ الحمار هو المرضع الشرعي له وان الحمار هو الحضن الدافئ القادر على تلبية شهوة بطنه فقط!.
ثم تأتي مرحلة الفطام ويبدأ صاحب القطيع بإعطائه العلف تدريجيا إلى جوار الحمار حتى يشتد عوده ويكون مستعدا للسير وعند ما يبلغ عدة أشهر يتم إخصاؤه ولا يجزّ صوفه أو تقص قرونه فيبدو ضخما ذا هيبة مزيفة ويعلق في رقبته جرس قوي يرن مع خطواته ويسمع من مكان بعيد ليجتذب القطيع ويرصد من خلاله الراعي تحركات قطيعه في أي وقت. 
ومن ثم يبدأ صاحب القطيع بأخده لجولاته معتقدا هذا الخروف المرياع بأنّه في رحلة تنزه دون أن يعرف بأنّه القائد الفذ مستقبلا..
إلى تبدأ مرحلة القيادة الفعلية لديه ـ في كنف الحمارـ فأينما ذهب الحمار فهو خلفه وان جلس الحمار فهو جالس بجانبه وباقي القطيع من الغنم تنظر اليه بإعجاب وتسير خلفه أينما توجه وإن كان ذاهبا إلى أماكن ذبح أفراد القطيع. 
لقد تربى وتعلم هذا المرياع أو شيخ الغنم ذو الهيبة المغشوشة على ألا يمشي إلا إذا مشى الحمار الذي يركبه الراعي عينه دوما على الحمار وعيون أقرانه عليه. فمهامه مقتصرة فقط في تتبع حمار الراعي وملازمته مثل ظله فحتى عند ما يريد الراعي الراحة أو الإستقرار في المرعى يربط الحمار فيلزمه المرياع فيبقى القطيع في محيط المكان لا يغادره إلا بمغادرة المرياع.
ويحكى أن: مرياعا سار بالقطيع في منطقة وعرة حتى وصل إلى حافة واد سحيق فانزلقت قدماه وسقط أسفل الوادي فما كان من باقي القطيع إلا أن لحقه بحكم الإقتداء به طبعا واحدا بعد الآخر كون النعاج والخراف اعتادت على أن تقاد!.
لله در العرب.. ليتهم واصلوا الإبداع الذي اكتسبوه من حضارات سادت وبادت وعنها نقلت علوم وعادات وتقاليد..
ولكن الأمر هنا ليست قصة مرياع ولا قصة راع وغنم إنما هي حديث عنكَ وعنه وعنها.. وعني.. فكم من المراييع نقابل في حياتنا اليومية في الواقع أو على فضاءات المواقع وكم منا من يتبع هؤلاء إما لحلاوة كلامهم أو لحسن مظهرهم أو حتى صخبهم..
هذا وليس لمثلي من يجهل أقدار القارئين ولكن إياكم والمرياع ذا الهيبة الفارغ لا تغرنّكم المظاهر والأجراس الطنانة والرنانة والهيبة المغشوشة فنحن في زمن المراييع..
وكم مرياع لدينا الآن لا يتحرك إلا إذا تحرك الحمار الأكبر؟.
بصرنا الله وإياكم بمعرفة أقدارنا وجعلنا من الواقفين عند حدودها.. وثبتنا على هداه حتى نلقاه.. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..