الفايسبوك.. نظرة في إيديولوجية المجتمع الجزائري

  • PDF

يهدّد الأمن والخصوصية.. والفكر 
الفايسبوك... نظرة في إيديولوجية المجتمع الجزائري

بالرغم من تنوع مواقع التواصل الإجتماعي التي باتت الملجأ والمتنفس للناس من أجل التعبير عن أفكارهم وآرائهم بل أكثر من ذلك أصبحت وسيلة فعالة للتواصل وتبادل المعارف والمعلومات. إلا أنها من جهة أخرى أصبحت تشكل خطرا حقيقيا بعدما كان افتراضيا خطر لا يهدد فقط أمن وخصوصية الأشخاص والمنظمات وإنما يهدد الفكر! 
ومن أبرز هذه المواقع الفايسبوك هذا الموقع الذي أسسه طالب بجامعة هارفارد سنة2004 حيث كان في البداية عبارة عن وسيلة للإتصال بين الزملاء في الجامعة لكن سرعان ما تطورت الفكرة لتصبح عالمية. شهد هذا الموقع تطورا باهرا بوتيرة سريعة حيث أعلنت شركة كومسكور بأنه يعتبر أشهر موقع للتواصل الإجتماعي حيث تمكن من جذب عدد كبير جدا من المستخدمين والذي بلغ عددهم سنة 2008 ما يفوق 132 مليون مستخدم. بالرغم من شهرته تعرض الموقع لعدة انتقادات لأسباب مختلفة من أهمها اتاحة الفرصة للمستخدمين بنشر بكل حرية بعض المعلومات السرية والخاصة لأشخاص آخرين سواء مواطنين أو شركات... الخ.
لكن ليس هذا لب موضوعنا. ما يهمنا هو إلقاء نظرة على المجتمع الجزائري والتغيرات الفكرية التي طرأت عليه منذ ظهور القايسبوك واكتساحه المجال الإفتراضي الجزائري.

تأثير.. وسيطرة
لقد استطاع بنجاح وبكل سهولة أن يؤثر الفايسبوك على المجتمع الجزائري بل أكثر من ذلك استطاع أن يسيطر عليه. وبالتالي جعل منه فريسة سهلة أمام الانتهازيين الذين يروجون للأكاذيب والمغالطات خاصة السياسية. حتى لا ننسى فالفايسبوك يتميز بطابع الإنفتاح والسهولة في الاستعمال. لقد فتح هذا الموقع مجال الشهرة لأهل الجهل وطمس العلم. بل الأسوأ من ذلك أعطى الفرصة لمن لا يستحقها فكيف بالجهل يتميز والعلم مآله الزوال. بالرغم من أنه افتراضي لكنه يبقى واقعا حقيقيا يؤثر ويسيطر. عالم يدنس ويطمس فيه العالم وبالمقابل يشجع فيه الجاهل. كيف لا و معروف الرصافي قال: إذا ما الجهل خيم في بلاد رأيت أسودها مسخت قرودا .
هي حقيقة لا يمكن نكرانها أو التهرب منها الفايسبوك هو من يسير المجتمع والعكس ليس صحيح. بالرغم من أنه لا يجب نكران الفئة القليلة الواعية والمثقفة ذات الإيديولوجية النقية الصافية الأصيلة والتي لا يمكن غي أي حال من الأحوال ان تتأثر بأكاذيب ومغالطات والفكر الفاسد الذي تزرعه مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع حتى تقضي على قيمه ومبادئه بل تدنس أصالتها وتقلعها من جذورها وتمحي آثارها.
لقد استطاع الفايسبوك افتكاك الصدارة والأهمية بل والأولوية لدى المجتمع الجزائري حيث أصبح مرافقا له في حياته اليومية لا يفارقه أبدا مرتبط به كل الوقت. لكن هذا الإرتباط له تأثير قوي ومباشر على تفكير وعقلية المواطن تأثيره سلبي أكثر منه إيجابي. لقد استطاع أن يزرع فكر جديد فاسد خاصة لدى فئات معينة من المجتمع فئات تعتبر ركيزة وقوام المجتمع إنهم الشباب. إن شبابنا اليوم لا يجد مرجعا فكريا آخر غير الفايسبوك فهو يأخذ ويستلهم منه كل شيء حتى أسلوبه المعيشي بما فيها سلوكياته سواء الفردية أو الجماعية. الأمر الخطير ليس في الأخذ والتقليد إنما الأخطر في نوعية ومصدر الأفكار التي يأخذها ويستلهم منها بل في أغلب الأحيان يجسدها حرفيا على أرض الواقع. فلنتساءل عن نوعية ومصدر هذه الأفكار؟؟

سلبيات..
بالنسبة للنوعية أكثرها وغالبيتها فاسدة وسلبية وتشكل خطرا مباشرا على مجتمعنا. من خلال تجربتنا وملاحظتنا للأحداث والمعلومات والأفكار التي تسبح في هذا العالم الأزرق الإفتراضي لفت انتباهنا كثرة السلبيات والكم الهائل من الأفكار اللئيمة التي تحرض على الفساد والإنحطاط الأخلاقي والتي يتجاوب معها فئة كبيرة من شبابنا. والمحير في الامر هو تجاوب فئة تعتبر في العالم الحقيقي بمثابة النخبة بالطبع أنا اتكلم هنا عن الجامعيين. ما لفت انتباهي وما يحز في نفسي كيف لطالب جامعي أن يتجاوب وبكل سهولة مع أفكار لا يحللها ولا يفسرها ولا يعرف أصلا مصدرها !
ربما هو لاوعي؟ ربما هو غباء؟ أو ربما هو جهل؟ أو ربما حالة لاوعي ادت إلى الغباء والجهل؟ أظنه كذلك غباء وجهل سببه لاوعي مصدره افتراضي وأثره حقيقي واقعي. يذكرني هذا بمقولة إيليا أبو ماضي : وارفق بأبناء الغباء كأنهم مرضى فإن الجهل شيء كالعمى . حقيقة لقد فقد شبابنا البصر والبصيرة كيف لا ونحن نشاهد ونتتبع يوميا ما يحدث في الفايسبوك وما يصدر عن مجتمعنا من ردود أفعال وسلوكات لا تعكس قيمه ومبادئه الحقيقية ولا حتى أصالته الفكرية.
لقد استطاع الفايسبوك أن يفتح الباب على مصراعيه لظهور صور عديدة من السلوكيات المنحرفة وهذا طبعا ما أدى إلى انتشار ظواهر إجرامية مثل القذف والسب والشتم...الخ. هذا كله نتيجة التضارب في الأفكار والإنتقادات التي يوجهها المواطنين لبعضهم البعض والتي يكون موضوعها مختلف وفي جميع الميادين (السياسية – الإقتصادية - الإجتماعية وحتى الدينية). لكن التساؤل ليس في مضمون ومحتوى الأفكار وإنما في مصدرها؟

هل تنازلنا عن حريتنا؟
المدهش هو انه كيف لمجتمع تتضارب أفكاره وينتقد بعضه البعض حتى يصل أحيانا للقذف والسب والشتم جراء معلومات يجهل مصدرها في غالب الاحيان والتي تكون مغلوطة ! واحيانا بالرغم من معرفته بمصدرها إلا انه يتعمد الأخذ بها ومتابعتها والتجاوب معها وهذا ما يدفعنا للرجوع والقول أنها حالة لاوعي . هذه الحالة التي عمل الفايسبوك على خلقها وبثها في نفوس المواطنين. لقد استطاع موقع التواصل الإجتماعي هذا ان يوهم الشعب بأنه استرجع حريته التي فقدها ! لكنه وقع في فخ فخ العبودية الفكرية ! وهذا أخطر من العبودية الجسدية. الحرية لا تكتسب من خلال مواقع التواصل بل تكتسب بالعلم والمعرفة معرفة الحقوق والواجبات وكذا تطبيقها.
هل يمكننا القول أن المواطن الجزائري تنازل عن حريته لصالح الفايسبوك؟ إن تنازل الإنسان عن حريته يعني تنازلا عن صفة الإنسان فيه وتنازل عن الحقوق الإنسانية وعن واجباتها أيضا. إن تنازل كهذا يناقض طبيعة الإنسان ونزع كل حرية من إرادة الإنسان هو نزع كل ادب من أعماله. بطبيعة الحال هذا ما نلاحظه من خلال أعمال وسلوكيات مجتمعنا غياب الوعي وبروز الإهمال واللامبالاة.
يرى جون جاك روسو في كتابه العقد الإجتماعي أن انتهاء الناس إلى النقطة التي تغلبت عندها العوائق الضارة بسلامتهم في الحال الطبيعية وذلك عن مقاومة فيها على القوى التي يمكن كل فرد أن يستعملها للبقاء في هذه الحال وهنالك لم تقدر هذه الحال الإبتدائية على الدوام وكان الهلاك نصيب الجنس البشري إذا لم يغير طراز حياته. والواقع ان الناس إذا كانوا لا يستطيعون إنتاج قوى جديدة بل توحيد القوى القائمة وتوجيهها عادة لا يكون لديهم وسائل للبقاء غير تأليفهم بالتكتل مقدارا من القوى يمكنه أن يتغلب على المقاومة وتحريك هذه القوى بمحرك واحد وتسييرها متوافقة.

مركز الفتن ومبعثها 
لقد أصبح الفايسبوك مركز الفتن ومبعثها خاصة في مجتمع ضعيف فكريا مجتمع يضع كل ثقته في العالم الإفتراضي ويعلق آماله وطموحاته عليه. فبالرغم من بعض الإيجابيات مثل تبادل المعارف والتواصل والمشاركة ومواكبة الأحداث إلا ان سلبيات هذا الموقع تبقى الغالب والمميز له. كيف لا وهو من فرض إيديولوجية على المجتمع الجزائري إيديولوجية فاسدة بامتياز لا تعرف حدودا لفسادها بل تزداد يوما بعد يوم !
إن الحديث في هذا الموضوع لا يمكن حصره في بضع أسطر إلا انه لا يسعنا إلا القول بأن الفايسبوك لعب دور المؤطر لفكر المجتمع الجزائري وطبعا نجح في تأطيره. شخصيا أرى ان السبب وراء هذا الإمتياز في التأطير والسيطرة على العقول راجع للخلفيات التاريخية والمراحل الصعبة التي مرة بها المجتمع وما إن بدأ ينفتح فكريا حتى ظهر الفايسبوك ليأخذ مكان العلم والقيم والمبادئ والمناهج التي لطالما انتهجها المجتمع الجزائري. إن بتدخله وتأطيره هذا استطاع غسل العقول وزرع الجهل وتعميمه كما نختم مقالنا هذا بمقولة لــ أبو الفتح البستي حيث يقول: سل الله عقلا نافعا واستعذ به فبالعقل تستوفي الفضائل كلها من الجهل تسأل خير معط لسائل كما الجهل مستوف جميع الرذائل .

نورالدين مباركي