بروز الأدعياء ... ظاهرة تنخر جسد المجتمع العربي والإسلامي

  • PDF

مراصد
إعداد:جـمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراءً حول الدخلاء في الفكر والثقافة والأدب
بروز الأدعياء ... ظاهرة تنخر جسد المجتمع العربي والإسلامي

ترصد أخبار اليوم كل حين مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والصحة والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.

***** 
بروز الأدعياء.. ظاهرة تنخر جسد المجتمع العربي والإسلامي

أ‌. عائشة قواتي

من المؤسف اليوم أن حياتنا في كل المجالات التي تشكل محيطنا الواسع دينيا وسياسيا وإعلاميا وثقافيا وفنيا تفتقد الكم اللازم من النخب تماما كما تفتقد الكم الموازي من المؤسسات حتى باتت الحياة بجميع دعائمها المهمة مسرحا للدخلاء فهما وفكرا وأداء.
لا أقول من باب التنظير لكن من باب التذكير...ولو بدأنا بتعداد هاته الفيروسات في كل مجالات حياتنا (الدينية والسياسية والإعلامية والثقافية والفنية...) لبلغنا زمنا طويلا ولأفرغنا من مداد الأقلام الكثير دون مبالغة... لكننا أردنا أن نسلط ولو ضوءا خافتا على هذه الظاهرة التي أصبحت تنخر جسد المجتمع العربي والإسلامي حتى في عقيدته التي هي دعامة وجوده الأساسية.
إن دخلاء الدين نصبوا أنفسهم أوصياء على العقيدة والشريعة كل منهم ينتف جناحا وينسبه لنفسه من أدعياء الفقه والفتوى وعلى علوم الدين ويزعمون أنهم فرسانه وكل منهم يدعي أنه شيخ الإسلام وعلامة بمجرد قراءته لبعض كتب الدين فيبدأ يجرح هذا وذاك من علماء الأمة المتفق عليهم... عموما هذا طريق صعب لنا ولا نريد الأخذ فيه ونتركه لمن هم أنداد له من الدعاة حقيقة وليس الأدعياء.
وندخل نحن من الباب الذي نحسب أنفسنا من مريديه ولا نرجو أن نكون من الدخلاء عليه..باب الثقافة والفن والإعلام لكونه هو مرآة ذلك كله والناقل الموثوق وهمزة الوصل بين شرائح المجتمع.
الإعلام الذي كان أداة بناء معولا عليها في تنمية البلاد العربية أضحى بعضه معول هدم عن طريق لغته الغوغائية وهي لغة الدخلاء عليه والسيطرة على مفاصله..
فكثيرا ما نرى لغة الحوار المتجاوز في أوساط النخب وأهل العلم والثقافة من سباب وحماقات ليس لها مثيل.. والأزمة أننا نراها بين أساتذة الجامعات في اجتماعاتهم والتي يفترض بتلك النخب أن تفكر للبلد وأهله..والمدهش في الأمر أن هذا الأسلوب صار وسيلة الجميع في التعبير عن آرائهم.
فما سبب هذه الظاهرة يا ترى؟
قبل أن نستعرض الأسباب التي نراها مناسبة لهذه الظاهرة نعطي تعريفا لمعنى كلمة دخلاء أو الغوغائية كما يحلو للبعض نعتها:
ليس تعريفا معجميا معقدا ولكنه تعريف عام يفهمه الجميع بمختلف المستويات الثقافية.
الدخيل هو من دخل قوم وانتسب لهم وهو ليس منهم وكذا الكلمة التي تدخل في كلام العرب وليست منه ونقول تداخل العلوم وتداخل الثقافات وغيرها من أنواع التداخل لكن الكلمة التي نتداولها في هذه السطور هي الدخلاء على أمر لا يفقهون منه شيئا ولو كان يدرسه أو من نفس نوعه كالصحفي مثلا فيه الصحفي ذو كفاءة مشهود له بذلك وآخر دخيل على المهنة لحاجة في نفسه من أجل المال أو حب الظهور والشهرة وقس ذلك على كل القطاعات.. كما نستطيع أن نقول عنهم إنهم أولئك الجهلاء الذين يعتمدون لغة التعصب وليست لغة الشجاعة أن تسب هذا وتلعن ذاك بمنتهى العنف والعجرفة..هؤلاء الأدعياء الذين ركبوا الأمواج للشهرة والصعود على ظهور الأذكياء والأكفاء ومع الأسف أصبحوا يمثلون النخب وقد خلقوا من رحم الكوارث والهزائم المجتمعية ولم يعترفوا بفشلهم وهزائمهم ويهربون من الاعتراف وأمثلهم غرسوا في كل الميادين في السياسة وفي القيادة يعلقون خيباتهم على الآخر في الطرف المناهض حتى نظن أن العالم كله يكرهنا ويرغب في وأدنا.
هل نستطيع أن نقول إن لهؤلاء الدخلاء ولغتهم الغوغائية سببها سنوات من الظلم والظلام ومصادرة الرأي وانتشار المحسوبية وضياع حقوق الكفاءات والمواهب والذين رسخوا هذه الأسباب هم مرتزقة يجلبون المشاهدين بهذه اللغة المنحطة والخبر الكاذب ووسائل الانحطاط حتى أصبح لقب الإعلامي وظيفة الثراء السريع وتحقيق المكاسب في عالم الأعمال والمال وخاصة في ظل سرعة انتشار تكنولوجيات التواصل التي أتاحت وظيفة الإعلامي لكل من هب ودب للراقصة والمطربة لتقديم البرامج بدل المذيع الذي كان يتطلب منه الشهادة والكفاءة من اتقان اللغة والاطلاع الواسع والثقافة العامة والرؤيا التحليلية.
باختصار أصبحت مهنة من لا مهنة له ناهيك عن مهنة الإعلام الأخطر على المستويين المحلي والخارجي وهي الصحافة السياسية.. ولذا فالأمر يحتاج مزيدا من التنظيم واعتماد قوانين خاصة لمهنة الصحافة والإعلام بصفة عامة فكما يقال من يحمل قلما يحمل سيفا وعليه من يحمل هذا القلم يجب أن يكون حذرا أمينا ومقدرا لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه لتأثيره على الملايين من ذوي الثقافات المتفاوتة.
وما يقال عن الإعلامي يقال عن المثقف والكاتب والفنان لأنه مرآة مجتمعه وكاتبه الأمين.. وعليه فإن العلم والدراسة مهمان جدا على كل من يمتهن أين مهنة أن يتخصص فيها بالإضافة للموهبة والإبداع.
قد يقول قائل إن كثير من أعلام الفكر والثقافة في الوطن العربي لم يتخرجوا من الكليات والمعاهد لنقول إنهم تمتعوا بمهارة الموهبة ومهارات الكتابة والصياغة فإذا اقترنت هذه الصفات بالعلم والدراسة ذاك هو الامتياز والتميز والكفاءة والمصداقية.
كيف يتعامل صاحب المهنة مع الدخلاء على مهنته مع العلم أن هذه الفئة في السنوات الأخيرة تعاني فوضى كبيرة من تردي المستوى الفني على كثرتهم لافتقارهم على أدنى مقومات الموهبة واتكالهم على أموالهم وعلاقاتهم الشخصية في الظهور والشهرة بمساعدة كما يرى البعض أن السبب هو التكنولوجيا التي تعمل بوتيرة سريعة وفاقت سرعة الغربلة والتحقيق وهناك أسباب أخرى يعوزها أصحاب الاختصاص للعلاقات الخاصة أساسا التي أصبحت تهمش المبدعين والمتألقين الحقيقيين إذ أنها تقلل من فرص العمل لتذهب إلى أفراد لا يستحقونها فيؤثر الجيد على السيء وكذا سبب يعوزه أصحاب الاختصاص إلى جهل المسؤولين وعدم معرفتهم بقيمة المهن الحقيقية الرسالية.
فيجب أن تكون هناك ضوابط للأمور وإلا ستعم الفوضى في أية مهنة فتفشل وتتراجع ويستغلها الدخلاء.


***** 
النسوية الإسلامية ما تزال في خطواتها الأولى وليست عائقا للتغيير الإيجابي


أ‌. سعاد. ع


الفكر النسوي الذي تتزايد وتيرته مع تطور وسائط التواصل سلاح فتاك يستعمله الغرب للقضاء على لحمة المجتمعات الإسلامية وإشاعة الفوضى والانحلال الخلقي تحت شعار حقوق المرأة ونبذ العنف.
ومن أبشع أساليب النسويات التي يروج لها الإعلام: 
لعن الرجال وتشويه صورتهم في أذهان النساء وتحطيم القدوة في حياتهن وتخوين أولياء الأمور مع لمحات من الاستهزاء بالنصوص الدينية حتى تتكون حالة التمرد لدى المرأة وتتشكل شخصيتها المنحرفة فتثور على الدين وتنزع طاعة ولي أمرها وتتمرد على أسرتها.
وللفكر النسوي المنحرف عن جادة الإسلام روافد كثيرة وعوامل مؤثرة في مجتمعنا من أهمها القنوات الهابطة التي تغرب النشء ووسائل التواصل الاجتماعي التي تدار في الغالب من قبل تافهين لا يحملون محتوى مفيدا وقد يرسلون للفتيات رسائل سلبية وبيئة التعليم التي فقدت روح التربية وأصبح المعلم فيها ضعيف التأثير.
ولكن أخطر مصدر يهدد بناتنا هو القدوات السيئة التي تلمع الأنموذج الغربي وتبث ثقافة الحرية الغربية وتكرس مظلومية المرأة وسطوة المجتمع الذكوري على النساء.. ولا ننسى دور الأسرة السلبي الذي فقد فيه التواصل والحوار والتناصح والتواصي بالخير بكلمة حانية فقد شكل بيئة خصبة للانحراف والهروب الروحي من محيط الأسرة حتى أصبح الارتباط الروحيلكثير من البنات مع صاحباتهن قويا جدا مع فتور العلاقة بالوالدين ومع ضعف الرقابة الأسرية قد تقع البنت ضحية في بيئة سيئة فكريا وسلوكيا وتختطف من شياطين الإنس فتنحرف وتكون عدوة لأهلها ودينها.
وكرد فعل على النسويات الغربية ظهر مصطلح النسوية الإسلامية وهو مشروع فكري يهدف إلى إنصاف النساء وتحقيق العدالة لهن والمكانة الإنسانية المتساوية من خلال المرجعية الإسلامية وتفعيل المبادئ الأخلاقية العليا للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بعيدا عن حلول خارجية لا تصلح لبيئاتنا الشرقية... والسؤال الذي يطرح نفسه: هل النسوية الإسلامية تعبر عن واقع حقيقي أم أنها تقليد للثقافة الغربية؟
في أوساط نسوية متدينة مصطلح النسوية الإسلامية لقى اعتراضات شديدة بوصفه تقليدا أعمى للثقافة الغربية ولا يخرج في كثير من مضامينه عن التبعية المقيتة لها وتنظر إليها بقدر كبير من التحفظ بل والرفض وتراها تحمل بمضامين سلبية وهي ربيبة النسوية الغربية الذي ظهر حاليا في بعض الأوساط هو تداعي عالمات فقيهات قانونيات وأستاذات حقوق وعلم اجتماع ذوات خلفية شرعية لتوعية وتوجيه المرأة المسلمة المهدورة حقوقهاالتي أساء إليها الرجل بالاستناد لعادات وتقاليد وأعراف مجتمعية ألبست لبوس الشرع والدين ظلما وبهتانا والشرع لا يقرها بل على العكس جاء ليمنعها ويوقف ممارستها
بل إنالمصطلح نفسه بحاجة إلى ضبط وأن الكثيرين ممن ينتمون للتيار نفسه يستخدمونه من غير تحرير لمعناه.
فهناك طائفة منهن متسترات بالإسلام يقمن بدور خطِر مضلل في قراءة المصادر الإسلامية وتفسير النصوص الدينية بناء على التفسير السياسي والتاريخي والعقلي فيبطلون الأحكام الشرعية الثابتة في القرآن والسنة والإجماع وآثار الصحابة ويردون فقه الأئمة الأخيار بحجة أنها تفاسير وشروح ذكورية قامت على اضطهاد الفقهاء واحتقارهم للمرأة فيقومون بعملية رد النصوص عن طريق تحريف معاني القرآن والطعن في رواة الحديث ومعانيه كما صنعوا في رد حديث: (لن يفلح قوم...) وغيره من النصوص التي وردت مخالفة لأهوائهم ومبادئهم.
وما يميز النسويات الإسلاميات أنّهن لا ينفين أهمية الدين الإسلامي في استخلاص حقوق المرأة ولا يجدن أي تناقض بين الحقوق والدين فالقرآن كتاب ونصوص مقدسة ولكنه يمكن تأويله على حسب التحوّلات التاريخية والاجتماعية.
وذلك يعني أيضًا أنّ من حق النسوة المسلمات أن يعترف بهن عالمات وأن تؤخذ آراؤهنّ الاجتهادية في الحسبان والاعتراف بهن من قبل الهيئات الدينية حيث لم يحدث هذا الأمر أبدًا من قبل.. بتعبير آخر تنطوي هذه الحركة النسوية الإسلامية على مبدإ حق المرأة في أن تستملك النص الديني وتستنطقه بنفسها من أجل إبراز النزعة التقدمية المؤكدة لحقوق النساء الأساسية ولحقهن في تفسير كلام الله.
تبقى الحركة النسوية الإسلامية متواضعة مع مثيلتها الغربية وخاصة على مستوى تحديد معنى المفهوم وعلى مستوى العمل على ترسيخ مبادئها داخل المجتمع ويعاب على النسويات الإسلاميات أنّها لم تتمكن من وضع تعريف وشرح دقيق لمفهوم النسوية الإسلامية بالإضافة لعدم وجود أنموذج واحد لـ النسوية الإسلامية بكل الدول العربية والإسلامية فهي تتراوح بين الاعتدال والمزج بين الأنموذجين الغربي والعربي الإسلامي وبين رفض الغربي ومحاولة إيجاد أنموذج إسلامي صرِف. بل إنّ هناك نماذج نسوية تتعامل بانتقائية مع ما ينسجم مع توجهاتها.
إذا كان اضطهاد المرأة داءً فإنّ المبادئ والأخلاق الإسلامية هي العلاج الطبيعيّ والنافع بينما النّسويّة هي علاج كيميائيّ سامٌّ وقاس والتغيير الإيجابي لهذه المشكلات ليس الحركة النسوية بل تصحيح الجهل بالشّريعة الإسلامية وهذه المعرفة تتأتّى من العلماء الحقيقيين ممّن ليسوا تحت التّأثير الخانِق للحداثة والنّسوية ذاتها.. لكن لسوء الحظ يصعُب العثور على هذهِ المعرفة الحقيقية لذلك انخرط المسلمون -نساءً ورجالًا- في الحركة النّسوية كوسيلة للتعبير عن إحباطهم وصدماتهم.. هكذا يدخل المسلمون في المسار النّسوي حيث كانت النتائج كارثية ولا يمكن التخفيف من وقعها.
إن النساء يمكن أن تحتل مكانتهن الكريمة إنسانيا واجتماعيا وثقافيا من داخل الإسلام بل وبتأصيل إسلامي من خلال إعادة تأويل النصوص وفهمها بعقلية تخلو من الذكورية والتطرف.
*****