الصراع ما يزال قويا بين معسكر الاستقلال ومعسكر التغريب

  • PDF

مراصد
إعداد: جمال بوزيان

بينما أردوغان في مسجد آيا صوفيا أوغلو عند ضريح أتاتورك
الصراع ما يزال قويا بين معسكر الاستقلال ومعسكر التغريب

تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي جميعِ المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ.
*****
قراءة في الانتخابات التركية ـ ماي 2023
بقلم: أ. م. رابح لكحل

بعد ما كانت انتخابات مزدوجة (رئاسية وبرلمانية) بتاريخ 14 ماي الفارط حسم الشعب التركي (بمشاركة قياسية بلغت 89 بالمائة أي بمجموع 53 مليون ناخب) برلمانه بمنح أغلبية مريحة (322 مقعدا من أصل 600 مقعد) لتحالف الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان المسمى تحالف الشعب .. في المقابل أُجل حسم منصب الرئيس (وهو الجزء الأهم دستوريا وبحسب الإعلام وتركيز المعارضة) ودعت هيئة الانتخابات إلى جولة ثانية بنهاية الشهر نفسه (يوم 28 ماي).. وعرفت هذه الانتخابات اهتماما وترقبا كبيرين إن داخليا أو خارجيا ووُصف الاستحقاق بالمصيري وبالأهم في تاريخ تركيا الحديثة ومنه في تاريخ المنطقة.. وإذا كان اهتمام الأتراك وتنافسهم طبيعيا ويمكن فهمه أو تفهمه انطلاقا من طبيعة المواطن التركي ومن تركيبة مجتمعه المتباينة إلى حد الصراع اثنيا مذهبيا ثقافيا وإيديولوجيا.. والذي يمكن ملاحظته في طبيعة وتوجهات الأحزاب المكونة للتحالفين الرئيسيين ( الشعب وتحالف المعارضة المسمى تحالف الأمة ).. فإن غير الطبيعي الاهتمام الدولي المبالغ فيه الذي تلحظه إن اتجهت شرقا أو غربا وعلى جميع المستويات..وهذا مما نحاول فهمه وتحديد دوافعه وخلفياته في هاته السطور.
1-الاهتمام الخارجي: منذ سنوات وقبل إعلان الرئاسة التركية عن تنظيم الانتخابات في موعدها الدستوري أسست المعارضة التركية بدعم ورعاية غربية واضحة تحالفها الذي بُنّي حول قضية مركزية واحدة وهي إسقاط أردوغان ومشروعه وإعادة تركيا إلى دورها ووضعها ما قبل حكم العدالة والتنمية ولنتفق ابتداء أن التنافس بين الأحزاب والتيارات عادي ومن طبيعة العمل السياسي أو لنقل من ضرورات الاستحقاقات الانتخابية.. لكن ما نُدينه هو فتح الباب للتدخل الخارجي والارتماء في أحضان الراعي الأجنبي وتنفيذ مشاريعه وهذا ما برز بقوة ما قبل وفي أثناء المرحلة الأولى للانتخابات حيث نسجل:
أ-تخلي الغرب عن تحفظه ونفاقه المعهود وإدعاءاته باحترامه لخيارات الشعوب وقناعاتها..وأنخرط بكل قوة في حملة تشويه وتجييش كبيرين ضد تحالف الشعب ورئيسه أردوغان خاصة مقابل دعم إعلامي ورعاية مادية وحتى إجراءات عملية لصالح تحالف الأمة ومرشحه كمال أوغلو وظهر ذلك عبر:
١-تصريحات مباشرة وغير مسبوقة لرسميين غربيين (على رأسهم الرئيس بايدن..) يذمون فيها أردوغان ويدعون لإسقاطه واختيار منافسه. 
٢-حملات منظمة على وسائل الإعلام المختلفة هدفها الأساسي تشويه أردوغان واستصغار نجاحاته مقابل الإشادة بوريث الأتاتوركية (أوغلو) ومشروعه الواعد القائم على سب وتسفيه قيم ومقدسات الشعب التركي والتعهد بإقامة مشاريع غير واقعية (مثل الانضمام للنادي المسيحي المسمى الاتحاد الأوروبي ).
٣-القيام بإجراءات عقابية (حرب مالية واقتصادية..) بدأت منذ عهد ترامب (الذي أعلنها صراحة) واستمرت دون صخب في عهد سلفه لمضاعفة معاناة الاقتصاد التركي (التضخم وانخفاض العملة..) بهدف زيادة الضغط ودفع الناخبين للتذمر والانقلاب على أردوغان وتحالفه.
٤-عملوا بجد حتى جمعوا بين المتضادين من دعاة الانتصار للعِرق فتحالف القوميون الكرد مع القوميين الترك لدعم أوغلو ومشروعه التغريبي.
ب- مقابل تعاطف كبير لقيه أردوغان من مثقفي وشعوب الأمة مارس رسميوها الحملة الغربية المشينة نفسها تقريبا ولكن بشكل فج وسيء حيث اندفعت أبواقهم في النفخ في ما نقلوه عن أسيادهم حول دكتاتورية أردوغان واستبداده وهو موضوع يُجَّرم سادتهم وأولياء أمورهم أولا وأخيرا فأردوغان الذي استمر في الحكم 20 سنة حقق ذلك بنجاح باهر في عدة استحقاقات انتخابية نظيفة وشفافة لا يعرف شكلها ومعناها أمثالهم أصلا وأحسنهم لا يعرف منها إلا إعلان نسبة 99.99 بالمائة .. ولا أجد تفسيرا لاجتهادهم حتى يفوز أوغلو وهو الذي لا يُخفي عنصريته وتعاليه عليهم ورغبته في إدارة وجهه عنهم وإنكاره للتاريخ والمصير المشترك الذي يجمعهم..؟ أمام أردوغان الذي دعمهم وحمل معهم الهم في الكثير من قضاياهم إلا من باب السفاهة واللؤم وغياب الحس الاستراتيجي فمنظرو الثورة المضادة في عالمنا العربي يفضلون تركيا ضعيفة تابعة للغرب (ولو كانت معادية لنا وهذا ما يمثله مشروع أوغلو) على النموذج الثاني الناجح لأنه يمثل القدوة ويعد نقطة أمل مضيئة تنير طريق شعوبنا للتحرر والخروج من ظلمات القهر والاستبداد.
2-مؤشرات وإشارات/ أمام هذه الصورة الغريبة وجب علينا التنبيه لبعض النقاط التي نسجلها من هذه المعركة المصيرية فنقول:
١-المفاجأة ليس في فشل أردوغان في حسم الرئاسة من الجولة الأولى إنما فشل المعارضة الموحدة في ذلك وهو الذي شكل صدمة لأنصارها في الداخل وعرابيها في الخارج فتحت ضغط ضربات حرب اقتصادية (قادتها أمريكا..) وزادها الوباء التضخم وضغط ملايين اللاجئين تأزما ثم أتم الحلقة الزلزال المدمر (فيفري 2023) يضاف لذلك المجهودات الغربية الجبارة في حشد الكل ضد أردوغان والتحذير منه.. نجد من الغريب أن ينتصر عليهم بفارق 5 بالمائة من أصوات الناخبين (تمثل حوالي 2.65 مليون صوت من مجموع الأصوات الصحيحة).
٢-عرت نتائج الجولة الأولى ادعاء الغرب العلمية والموضوعية فنتائج سبر آراء الناخبين الأتراك (التي قادتها ونظمتها مؤسسات غربية) في أغلبها منحت الفوز لمرشحها المدلل بنسبة عالية وصلت إلى 60 بالمائة .. وتبين: -أنهم يحتكمون للمنطق ذاته الذي يسير أنظمة الاستبداد والقائمة على قاعدة لدي نتيجة وأبحث لها عن مقدمات..! -أن مؤسسات الاستشراف لدينا أدق في نتائجها فلم يسبق أن تفاجأنا بنتائج الانتخابات التي تجرى عندنا والتي نعرفها بنسبة 100 بالمائة متى أعلنت قائمة المترشحين...!... فأغلو الذي حصل فعلا على أقل من 45 بالمائة أضاف له الغرب العادل 15 بالمائة أي ما يقابل حوالي 8 ملايين صوت وهو رقم ضخم بجميع المقاييس ولا يمكن بأي حال من الأحوال إدراجه كارتياب مقبول.
٣-بينما ختم أردوغان حملته بالصلاة بمسجد آيا صوفيا بإسطنبول (الذي حوله أتاتورك إلى متحف قبل 80 سنة) ختم أوغلو حملته بزيارة لضريح أتاتورك.. وهاتان صورتان تلخصان قِبلة كل واحد منهما وبالتالي طبيعة وآفاق مشروع كليهما.
٤-مهما تكن نتائج الجولة الثانية يبقى أردوغان صورة واقعية لمبدإ التدافع الذي أقامنا عليه ديننا في قوله تعالى: ... ولَوْلا دِفاعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهم بِبَعْض لَفَسَدَتِ الأرْضُ.. فبعد 20 سنة من الحكم والنجاحات الباهرة التي حققها (في مجال الطاقة الاقتصاد الصناعات المدنية والعسكرية..) وتحويله تركيا إلى قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب... إلخ كان بإمكانه أن يلجأ إلى ثقافة المؤامرة التي تستهدفه (وهي واقعة فعلا وشرسة جدا..) ولنقل يأخذ استراحة محارب وهي مستحقة ويمارس سياسة الكرسي الشاغر... لكن ما يثير الإعجاب ويجعله محل تأس واقتداء شراسته في مواجهة مخططات إسقاطه وذكاؤه وحسن تدبيره.. بخلاف ما نراه لدى نخبنا السياسية خاصة والتي تتراجع أمام أول عقبة وتختفي عن الأنظار وتقضي حياتها تسب وتلعن الظلام..
3-المتوقع من جولة 28 ماي: بالرغم من التعبئة القصوى لتحالف المعارضة خسر الأغلبية البرلمانية وكان قاب قوسين من أن يخسر الرئاسة ومع هذه الخسائر غير المتوقعة فقد معسكر التغريب حماسته وأصيب في مقتل.. بينما معسكر الاستقلال العزة والقوة زادت عزيمته وثقته في نفسه وشعبه ولا يمكن لأغلو ومن يدعمه أن يستدرك فارق 5 بالمائة من الأصوات في ظرف أقل من 15 يوما.. يضاف لذلك سيطرة أردوغان وتحالفه على البرلمان كورقة رابحة أخرى تزيد في جمع الناس حوله وخاصة المترددين منهم... فإذا ركزنا على هاته العوامل الجديدة التي ظهرت كنتائج لحصيلة الجولة الأولى التي فاز بها أردوغان أصلا نقول بدون أدنى شك إن الرئيس المنتهية ولايته المسمى رجب طيب أردوغان سيحسم الجولة الثانية لصالحه وبفارق مريح جدا ليكمل مشروعه بنقل الشعب التركي إلى مكانه الطبيعي داعما لإخوانه في الدين والتاريخ والمصير المشترك.
===
أوغان البرغماتي طامح بمنصب نائب الرئيس التركي


بقلم: علي سعادة


سنان أوغان الذي حصل على نسبة 5.17 بالمئة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التركية سيكون بيضة القبان التي تحافظ على التوازن وترجح كفة على أخرى.
ويبدو اوغان برغماتي يحسبها بالورقة والقلم فهو لن يعلن عن دعمه لمرشح معين إلا بعد أن يحصل على أكبر حصة من المكتسبات ويبدو أن عينه على منصب نائب الرئيس.
وأعلنت الهيئة العليا للانتخابات عن موعد الجولة الثانية لحسم السباق الرئاسي في 28 أيار الجاري نتيجة عدم حصول أي من المرشحين الأربعة في الجولة الأولى على نسبة 50 +1.
وحصل مرشح تحالف الجمهور رجب طيب أردوغان على نسبة 49.51 بالمئة من أصوات الناخبين فيما حصل مرشح تحالف الأمة كليتشدار أوغلو على ثاني أعلى نسبة تصويت بمعدل 44.88 بالمئة.
وسائل إعلام تركية أنباء تفيد بعرض تحالف الطاولة السداسية الذي يمثله كليتشدار على سنان أوغان تولي منصب وزارة الهجرة مقابل توجيه أنصاره لانتخاب مرشحهم.
لكن سنان الذي كان يخطط لإعلان قراره بشأن دعم أحد المرشحين ألمح إلى إمكانية حصوله على منصب نائب الرئيس بدلًا من أن يكون وزيرًا.
وأضاف: سأطالب الإدارة بمنصب رفيع مقابل دعم مرشح معين.. لماذا يجب أن أكون وزيرا بينما يمكنني أن أصبح نائب الرئيس .
وبمقارنة أردوغان وكليتشدار أوغلو قال أوغان إنه معجب بأخلاقيات العمل لأردوغان لكنه انتقده لعدم استشارة الآخرين بشكل كاف قبل اتخاذ قرار مؤكدا أن كليتشدار أوغلو لا يعمل بجد مثل أردوغان لكنه تلقى آراء من الآخرين.
ورأى أن 70 بالمئة من الذين صوتوا له سيؤيدون الاسم الذي يعلن دعمه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مرجحا أن تتغير سياسة الحكومة التركية في السنوات المقبلة نتيجة الأداء القوي للقوميين خاصة عندما يتعلق الأمر بالأكراد واللاجئين السوريين في البلاد .
سنان قريب من أردوغان في ملف الأكراد لكنه قريب من كليتشدار فيما يتعلق بملف اللاجئين السوريين وفي جميع الأحوال سيكون موقفه بناء على ما سيحصل عليه من وعود من قبل أحد المرشحين أردوغان أو كليتشدار.
وفي السياسة المصالح هي التي تحكم وليس القيم.
=== 
في تركيا.. إشارات قد تصبح حقائق مرة!


بقلم: جميل أبو بكر


وردت في الانتخابات التركية الأخيرة إشارات تثير القلق في خطاب بعض رموز المعارضة.
فقد نقلت بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ان بعض رموز المعارضة بما فيهم المرشح لرئاسة الجمهورية أعلن عن انتمائه لهويات فرعية قومية عرقية أو طائفية على غير المألوف في الانتخابات التركية سواء كان علمانيا أم محافظا إسلاميا بغض النظر عن اصوله العرقية أو الطائفية أو المذهبية.
وأن المتابع للواقع التركي أو المطلع عليه يدرك وجود تعددية سياسية وإيديولوجية طائفية أو مذهبية عرقية قومية أو جهوية مناطقية.
وإذا كان ظاهر الأمر انه تحريك للقواعد الشعبية ضمن هذه الهويات الفرعية للمشاركة في الانتخابات تأييداً لمن ينتمي إليها على هذه القاعدة فإنه من جهة أخرى استبطان لضعف الهوية الفكرية والبرنامج الانتخابي وشعاراته الَمعبرة وقد أشار الرئيس أردوغان  إلى هذه المعاني في رده عليها في أحد خطاباته الجماهيرية. 
وفي سياق الاهتمام المتزايد لمراكز النفوذ والهيمنة العالمية وبخاصة الغربية بهذه الهويات والنزعات المختلفة لتوظيفها في تفتيت الجبهات الداخلية في الدول الأخرى وبخاصة الساعية نحو مزيد من الاستقلال في السياسات والتحرر في الإرادة والتوجهات وفي بناء الذات والاعتماد عليها وفي ترسيخ الانتماء للهوية الحضارية الاصيلة ولاسيما في الدائرة العربية والإسلامية فإن تلك الإشارات التي تعزز الهويات الفرعية تدق ناقوس خطر احتمال دعم تلك الاتجاهات من جهة أعداء الأمة أو المتضررين من نهضتها وصعودها لتصبح واقعا أشبه بهشيم ينتظر شرارة الفتنة ليمزق هذا البلد أو ذاك. 
وللحيلولة دون تفاقم هذه الإشارات من أن تصبح ظاهرة تضرب الوحدة الوطنية ابتداءً بتشكيل مزاج عام قابل بهذه التقسيمات والتصنيفات ثم تطوره إلى كيانات حزبية أو اجتماعية ذات حركات حقوق أقلوية انفصالية حيث إن بعضها قائم الآن فإن الأمر يحتاج إلى تحليلات ومناقشات نخبوية من مختصين أمناء وأهل رأي ومعرفة بعيداً عن متابعات الإعلام في الابتداء لوضع تصورات وخطط للمعالجة والاستيعاب ثم المواجهة إذا لزم.
وقد يكون حزب العدالة والتنمية هو المعني الأول للقيام بهذه المهمة ولكن خطورة المسألة تقتضي توسيع دائرة المشاركة من خيرين كثر خارج الإطار الحزبي دون إرجاء أو تأخير والله المستعان.
===