مراصد
إعداد: جمال بوزيان
يوميات الشعب المحتار في الميزان
الأولياء والمُربّون مسؤولون عن تنشئة الأجيال
تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي جميعِ المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ.
*****
ويسألونك عن نهاية الموسم الدراسي..
أ. نور الدين العدوالي
الشّعب الذي يحتار في مشهد التّلاميذ وهم يمزّقون كراريسهم فور خروجهم من اختبارات نهاية الموسم الدّراسيّ ويصبّ جام غضبه على المنظومة التّربويّة من القمّة إلى القاعدة:
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في الأولياء الذين حوّلوا أولادهم إلى هياكلَ تغدو وتروح بلا روح؟ إلى تَوَابِيتَ تُملَأُ بالعلامة ولا تَسَلْ عن الخُلُق والمعرفة و السّلوك إلى كائنات حيّة تأكل و تشرب في كلّ وقت و لو استقام لها ذلك نائمةً لفعلت إلى أفواه لا تُطلِق إلا السّموم داخلَ البيت مرورا بالشّارع وصولا إلى الحَرَم التّربويّ إلى أجساد مُبَرمَجَة على المصارعة و المُبارَزَة والمُهارَشَة و المُطارَدَة ولولا لُطفُ اللّه جلّ في عُلاه لمات كثيرُهم في الطرقات دهسًا بالسّيارات أو الشّاحنات أو الدّرّاجات...
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في الأساتيذ أصحاب الڨاراجات الذين لا يرون في هؤلاء الأبناء إلّا مبالغَ ماليّة تدخل جيوبَهم وتُضاف إلى رصيدهم الذي يذهب معظمُه إلى جيوب الأطبّاء وإلى الحلّاقات وبائعي العطور والمساحيق والميكانيكيّين وبائعي الأعشاب الطّبيّة وعيادات التّجميل -في أحسن الظّروف- عِلْمًا بأن التّعليم في بلادنا يجعل المعلّمة الشّابّة عجوزا شمطاء في أقلّ من ثلاث سنوات خدمة فعليّة؟ هذا ناهيك عن المعلومات المغلوطة التي تُقدَّم لأبنائنا مدفوعةً وناهيك عن الطريقة التّربويّة المُنتهَجَة داخل قاعات أشبه ما تكون بِعُلَب السّردين وناهيك عن لباس هؤلاء الأساتيذ وطريقة كلامهم وسعيهم لاكتساح مواقع التّواصل الاجتماعيّ وكسب مزيد من المشاهدات والمتابعات والإعجابات.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في الضّغط المكبوت المفروض على هؤلاء التّلاميذ الذين لم يجدوا الاحتواء ولا الأحضان الدّافئة ولا المعاملة الطّيّبة داخل بيوتهم وداخل أقسامهم مع مؤطّريهم تربويّا وإداريّا؟!.
ماذا ينتظر الشّعب من تلميذ صغير يتلقّى الأوامر منذ فتح عينيه صباحا ولا يسمع من مؤطّريه -جُلِّهِم- غير كلمات: اخرسْ لا تتحرّك أنت لا تفهم أنت عديم التّربية أنت (حمار ) أنت وقح..؟ وهو يرى بأمّ عينه النّفاق والشّقاق وسوء الأخلاق في مؤطّريه من الجنسين؟!.
في كلّ صباح تقرير تربويّ وفي كلّ مساء طرد من المؤسّسة مع استدعاء لوليّه الذي لا يعرف عدد أفراد عائلته فكيف يعرف المستوى الدّراسيّ لابنه؟!.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في أبنائه النّاجحين في البكالوريا وهم يتحوّلون عشيّةَ نجاحهم إلى متسابقي الفورميلا وان حتى لَيكادون يُحوّلون الفرح إلى رعب وندب وعويل؟! ويستمرّ صياحهم إلى أوقات متأخّرة من اللّيل كما لو أنّهم حرّروا القدس أو أخرجوا أسْرَى الرّأي والفكر والعقيدة من سُجونهم أو أعادوا لقاء (الجزائر / الكاميرون) ثُمّ يصطدمون و ينصدمون أمام خيارات التّوجيه الجامعيّة؟!.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في حفلات تخرّج طلبته الجامعيّين حيث (صانعات المستقبل) يحوّلن مدرّجات الجامعة وحجرات الإقامة الجامعيّة إلى ملاهيَ يتعالى منها صياح (نساء الغد) على وقع الزّغاريد والزّعاق وشقّ الجُيوب ونَتْف الشّعور كأنّ الأمر يتعلّق بليلة (الدّخلة)؟! وبعدها نظّفي يا عاملة النّظافة أوساخَنا وطهّري الأرضيّة من قذاراتنا !.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في جماهير ملاعبنا وهي تردّد أسوأ شعارات البذاءة والنّذالة والدّناءة حتّى و الأذان يُرفَع ثمّ تَتْرُكُ المُدرّجاتِ مَفْرَغَة نفايات وهي تغادر ساخطة على خسارة أو منتشية بفوز كما لو أنّه (الفتح المبين)؟!.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب وهو يرى أسواقنا الفوضويّة حذاءَ مستشفياتنا ومدارسنا بل حتّى مساجدنا فإن هي سلمتْ من صراخ الباعة فهل تسلم من مُخلّفاتهم من الخضر والفواكه رديئها وأسوئها؟!.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في الكَمّ الهائل من الوثائق والشّهادات التي يستخرجها من البلديات والدّوائر و الولايات ليرميها في النهاية أمام سُلطَة الهاتف والمحسوبيّة والبيروقراطيّة و السّيقان العارية والنّهود البارزة ؟!.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في الطّرقات المهترئة والبنى التّحتيّة المزيّفة والعمارات المُشَيّدَة على أساسات هَشّة حتى إذا جادت السّماء بغيثها كشفت عوار المسؤولين بعد أن نالت السّيول الجارفة حصّتَها من الضّحايا والمنكوبين؟!.
ـ لماذا لا يحتار هذا الشّعب في مؤسّساته الإعلاميّة مرئيّة كانت أو مسموعة و هي تستضيف التّافهين والتّافهات وتُدير ظهرها عَمْدًا للكفاءات التي إذا نطقتْ أخرَسَتْ وإذا قَصَفَتٌ أوجعتْ وإذَا أبدَعَتْ أمْتَعَتْ؟!.
لَكُمْ دَقَقْنا ناقوس الخطر ولَكَمْ نادَيْنَا في النّاس: يا قوم.. راقبوا أولادَكم ورافِقُوهم فمؤسّساتنا التّربويّة أضحت بؤرة لاستهلاك وترويج المهلوسات والمؤثّرات العقليّة ولقد استوى في ذلك الذّكور والإناث -إلّا ما رحم ربّك- ولكنّ يأتي الرّدّ -ببرودة أعصاب-: (يا شيخ.. ولدي أو بنتي يقرى عندك انطهلّا ريقلو في النّقطة رحمة على الوالدين...).
إن الأمر لَجَلَل و إنّ الطّامّة لَكُبرى وإنّه لا يحتاج فقط إلى ثورة جماعيّة بل إلى طوفان كطوفان نوح ليستأصل الفساد من جذوره ويجرفه إلى حيث لا رجوع ومن يَقُلِ: القادم أسوأ أقُلْ له: لا يوجَد أسوأ ممّا نحن فيه .
وحتّى لا يُنْفَخَ أيّ بوق من الأبواق في وجهي فإنّ كلامي ليس دفاعا عن هؤلاء التّلاميذ رِضا بما يصنعون وليس على سبيل التّعميم- وإن كان الأمر قد عَمّ و طَمّ -ولكنّني أستثني من ذلك الثّلّة القليلة الباقية الثّابتة الصّابرة الصّامدة في وجه الأعاصير من أبنائنا الطّيّبين وأساتيذنا المخلصين وإداريّينا ذوي الأيادي النّظيفة وأصحاب الضّمائر الحيّة هنا وهناك وهنالك.
*****
هل يمكن أن نتكلم عن تراث الجزائر في ظل غياب مراصد ثقافية معزّزة للحفاظ عليه؟
د. سهيلة خير الله
في ظل الاحتفائية العالمية بما يسمى يوم التراث العالمي الذي يصادف يوم 18 أفريل من كل سنة إذ يعد هذا التاريخ أحد العوامل المؤسسة لحماية التراث الإنساني وفقا للاتفاقية التي أقرّها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في باريس عام 1972 م.
أو ما يسمى المجلس الدولي للمعالم والمواقع (ICOMOS) ومن هذا السياق تكفّل
الأثرية هذا المجلس الذي وافقت عليه الجمعية العامة لليونيسكو عام 1983 م كمسعى رئيس لتكريس الحس الحضاري والثقافي لدى المنظمات العالمية والجمعيات في خلق روح توعوية لدى الشعوب للحفاظ على هذا التنوع التراثي الإنساني وحمايته من الاندثار.
وعليه عدت الجزائر ضمن الدول المدرجة في قائمة اليونيسكو التي صادقت على هذه الاتفاقية وانتخبت عضوا في لجنة التراث العالمي يوم 7 سبتمبر 2011 م وفقا لبرنامج مواقع التراث الإنساني العالمي وهذه المواقع تحمل شكلين أساسين:
الموقع الأول يتمثّل في شكل طبيعي متنوع منه (الغابات سلاسل الجبال البحيرات...) أما الموقع الثاني يتمثّل في الأشكال البشرية المتعدّدة أي من صنع الإنسان مثل: ما تشمله الفنون (الأدب والشعر المسرح النحت...) ومجمل المعالم المعمارية المتنوعة (معابد قصور مسارح...).
تأسيسا من هذا المسعى الإنساني عن موضوع التراث يمكن أن نطرح عدّة انشغالات حول واقع أو لنقل مكانة المواقع التراثية في الثقافة الشعبية بالجزائر بمختلف أنماطها وكذا تنوع اشكالها تراثا ماديا كان أو لا ماديا وعن الدور الرسالي المؤسساتي كهيئات مسؤولة ومخوّلة من طرف الدولة في تقييم هذا الإرث الوطني والحفاظ عليه حضاريا خاصة منها المؤسسات التعليمية والثقافية: المدرسة الجامعة ومراكز التكوين ودور الشباب والجمعيات والتنظيمات المرخّصة في تعزيز روح المسؤولية وتحيين هذه المكاسب في ثقافة شبابنا وأيضا عن دور الخرجات الميدانية والعلمية لأبنائنا للمواقع الأثرية والحضارية وربطها بالجانب التعليمي وفقا للمناهج البيداغوجية والتربوية المسطّرة من الجهات المعنية لإثراء معارف التلاميذ في مسار برنامج الدروس النظرية.
ومن سياق ترسيخ معنى المواطنة ما الذي يستوجب من برنامج ثقافية للمنظمات الجمعوية في تحيين الحس الحضاري عند الشباب والمواطن الجزائري بشكل عام؟ خاصة ما تلعبه دور الشباب والجمعيات الثقافية وناشطو صنّاع المحتوى في المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وكل ما ينتجه مصممو شبكة تكنولوجيا الإعلام والاتصال في تسطير برنامج وتطبيقات توثيقية عبر الموقع الإلكتروني يوتيوب و السوشل ميديا تحفظ الهوية والخصوصية الجزائرية وكذا تواصل ميداني يحاكي الذاكرة الشعبية لأهمية التراث الجزائري وكيف يمكن حمايته؟ وذلك عن طريق تفعيل الأطر التثقيفية داخل الوطن كنشاط دائم ومتنوع مثل: المسرح والسينما خرجات سياحية مهرجانات ثقافية معارض جهوية وطنية تشمل عروضا لكل ما هو ثقافي شعبي كأعمال الشعر والأدب الشعبي وعروض لأكلات شعبية قديمة وأزياء تقليدية وحرف يدوية وغيرها من التظاهرات المتوارثة عن الأجداد تحيّن في كل المناسبات الدينية والوطنية.
أما الدور الثقافي وما يمكن أن يقدّمه المثقف والباحث الجزائري للتعريف بكل ما هو ثقافي وإعادة الاعتبار لكل ما تتضمنه كلمة التراث بغية النهوض به وطنيا يعزز صلات العلاقة بين جيل الأمس بجيل اليوم فيكمن في تنشيط وإثراء دراسات وأعمال بحثية متنوعة تاريخية فنية وفكرية في إطارها الأكاديمي والجمعي ترقى بهذا الموروث الثقافي إلى مستوى الأعمال العالمية أيضا في خلق تثاقف إقليمي ودولي تشاركي عبر عقد مؤتمرات وتنظيم أيام دراسية وندوات ومعارض وكذا نشر مقالات وأبحاث معمّقة تثري الشأن العلمي في أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية مجالها: الأدب واللغات علم الاجتماع الفلسفة والتاريخ. الآثار الأنثربولوجيا... وغيرها من علوم.
عطفا من كل هذه الرهانات الاستشرافية يمكن القول إن الدور الذي يلعبه المثقف الجزائري والمؤسسات التربوية والجمعيات في بعث الروح الحضارية للتراث الوطني والتعريف به وطنيا أولا ودوليا ثانيا يمكن أن يلخّص في جملة المشاريع العلمية تنطلق من إحياء النشاطات الثقافية والتشاركية المتبادلة بين الدول باسم تبادل الصداقة وتعزيز صلات المحبة في كل مناسبة تشارك بها الجزائر خارج الوطن ضمن القطاع التنظيمي الشبابي والدبلوماسي عبر الوطن وخارجه وتشجيع الأعمال الجادة للطلبة الباحثين في موضوع بحث التراث وميدان الحضارة وعلم الآثار والتاريخ ودعمها من طرف الدولة الجزائرية للتأليف والنشر وترجمتها للغات العالم.