الجزائر تحوز ثالث أكبر احتياطي في العالم
جدل الغاز الصخري يعود للواجهة
سفيان عبد الجليل
عاد الجدل بشأن استغلال الغاز الصخري إلى الواجهة في الجزائر منذ الأربعاء الماضي حين أشار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى ما وصفه بـ ضرورة استغلال هذه الثروة مشددا على أن استغلال الغاز الصخري يحتاج إلى نقاش وطني وفي سياق هذا النقاش المثار ترصد أخبار اليوم آراء بعض الخبراء التي تتقاطع في التأكيد على أن الموضوع بالغ التعقيد وشديد الحساسية..
وإذا كان الحراك الشعبي السلمي قد رفع شعارات مناوئة لاستغلال الغاز الصخري فإن آراء ومواقف الخبراء والمختصين ليست موحدة بخصوص هذا الملف الحساس ولو أن غالبيتهم يقفون موقف الرافض أو المتحفظ في حين تتبنى قلة قليلة موقف الدائم لاستغلال هذه الثروة معتبرة أن امتناع فرنسا عن ذلك ليس مقياسا.
باحثون يحذرون: هذه مخاطر استغلال الغاز الصخري
ينتقد بعض الباحثين الاستهلاك المتزايد للمياه لاستخلاص الغاز الصخري ويحذرون من تلوث المياه الجوفية بما يستخدم من كيماويات في عملية الاستخراج. كما وجد غاز البنزول بالقرب من آبار استخراجه والبنزول من المواد المتسببة لنشأة السرطان.
ولكن استخراج غاز حجر الأردواز قد أصبح هاما لامداد الولايات المتحدة بالطاقة وفي الوقت الذي نضبت فيه كثير من آبار النفط ويقل العثور على أبار نفط جديدة استطاعت أمريكا باستغلال حجر الأردواز مضاعفة احتياطها من الغاز الطبيعي حتى أن سعر الغاز انخفض بسبب تلك الاكتشافات واستغلال المصدر الجديد. وتقدر الكمية التي استخرجت من غاز حجر الأردواز بنحو 10 بالمائة من مجموع كمية الغاز المنتجة عام 2008.
ولا تخلو عملية استخراج الغاز الصخري من المشاكل والمخاطر وتتجسّد ـ حسب بعض الخبراء ـ في شقّين اثنين: المخاطر البيئية والمخاطر الجيولوجيّة.
وتتمثّل المخاطر البيئية فيما يلي:
إن عمليّة التوسيع الهيدروليكي قد تؤدي إلى موجة من التصدّعات والاهتزازات في الطبقات الصخرية المجاورة مشكّلة خطرًا على خزّانات المياه الجوفيّة والبنى الطبيعية الأخرى.
احتمال تسرّب الغاز الصخري عبر الشقوق إلى خزّانات المياه الجوفية المجاورة الأمر الذي يؤدّي إلى تلوّثها بالإضافة إلى تغيّر مستوى وضغط هذه الخزّانات المائية.
تلوّث التربة المجاورة لبئر الحفر بالغاز أثناء استخراجه إلى سطح الأرض.
مواقع التنقيب قد تكون مصدرًا للإزعاج الصوتي والبيئي للأحياء أو المناطق السكنية في الجوار.
تسرّب غاز الميثان من الشقوق والصدوع في أنابيب النقل والصمّامات حيث وجدت دراسة علميّة في الولايات المتّحدة أن هناك نسبةٌ صغيرةٌ من الميثان المستخرج في العديد من مواقع التنقيب قد تسرّبت إلى البيئة.
وبشأن المخاطر الجيولوجيّة فقد أشارت دراسة مستقّلة أجرتها كل من الجمعية الملكية والأكاديمية الملكية في المملكة المتّحدة عام 2011 إلى أن ضخ المياه بضغط كبير عبر الآبار إلى مناطق تجمّع الغاز الصخري من شأنه أن يُحدث هزّاتٌ أرضيّةٌ محدودةٌ في ظروف معيّنة .
إلّا أنّه ولحسن الحظ أن هذه الهزّات العرضيّة لم تبلغ من الشدّة ما قد يشكّل تهديدًا حقيقيًّا. وأشارت الدراسات أن خطر الزلازل القوية كان أكبر في المناطق والطبقات الصخرية ذات التصدّعات المسبقة والتي قد تحرّض مع الضخ الشديد للماء في أعماقها حدوث هزّات أرضيّة خطيرة.
لذلك أوصت القوانين النافذة في مجال استخراج الغاز الصخري بدراسة جيولوجيّة موقع الحفر بشكل جيّد قبل البدء في استخراج الغاز الصخريّ من تلك المناطق.
بن خلاف: علينا انتظار ظهور التكنولوجيا الآمنة
دعا القيادي في الإتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء النائب البرلماني لخضر بن خلاف وبصفته أيضا مهندس دولة في المناجم الرئيس عبد المجيد تبون بالتريث في التوجه نحو استغلال الغاز الصخري وعدم جعله أولوية خلال العشرية الحالية لأن التكنولوجيا المستعملة في استغلال هذا الغاز ستتطور مستقبلا لتصبح أكثر أمنا وفعالية للدولة وحماية المحيط.
وأشار بن خلاف في تصريح أدلى به لصحيفة الشروق اليومي إلى أن التقنية الوحيدة المستعملة حاليا وعالميا لاستغلال الغاز الصخري وهي من اختراع أمريكي هي طريقة التكسير الهيدروليجي للحجر أي تكسير الحجر باستعمال الماء مع إضافة ما يزيد عن 750 مادة قاتلة ومسرطنة وهذا التكسير حسب المتحدث يكون عادة على عمق يصل إلى حوالي 5 كلم وهو ما يؤثر على المياه الجوفية وخاصة ونحن نملك أكبر احتياطي من المياه الجوفية في إفريقيا وحتى في العالم.
والأفضل والأصلح حسب المتحدث أن نترك استغلال الغاز الصخري للأجيال القادمة ونتفرغ لاستكشاف آبار نفط وغاز جديدة بمختلف ولايات الوطن وخاصة في البحر مع استغلال الطاقات المتجددة كأولوية خاصة وصحراؤنا تعتبر أكبر محزون للطاقة الشمسية بالعالم .
وبخصوص القول بأن أمريكا تستغل الغاز الصخري حتى بيمحن المساكن قال بن خلاف: في أمريكا كلّ ما يتواجد في باطن الأرض تحت المساكن هو ملك للمواطنين وهم من يستفيدون من العائدات وليس الدولة وبالتالي لا يأبهون للضّرر الحاصل والدليل أن أمريكا تعاني من أكبر نسبة تلوث عالمي .
ويقترح بن خلاف أن تشرع الدولة أوّلا في استكشاف أماكن وجود الغاز الصخري ولا تعتمد فقط على معلومات أمريكية كشفتها الأقمار الصناعية ثم ننتظر ظهور التكنولوجيا الجديدة الآمنة وبعد 60 سنة أو قرن أو قرون نبدأ في استغلال هذا الغاز .
الخبير مهماه بوزيـان: فرنسا ليست نموذجاً مرجعياً
أدلى الخبير والباحث المعروف مهماه بوزيـان بدلوه في مسألة استغلال الغاز الصخري مشيرا إلى حالة التسطيح للفكر والنقاش و السطو على روح الحقائق العلمية مع استحضار نماذج لممارسات ومسارات دول بعينها بخصوص هذا الموضوع ومن بين ما يجري التركيز على استحضاره هو المثال الفرنسي الذي هو في تقدير مهماه أبعد ما يكون عن صفة النموذج ولا يمكنه حيازة طابع المرجعية العالمية.
وأشار مهماه بوزيـان في مقال نشرته يومية أخبار الوطن في عدد الإثنين 27 جانفي 2020 إلى مجموعة من المعطيات المتعلقة بالملف مُركّزاً على الحالة الفرنسية التي يستشهد بها كثير من معارضي استغلال الغاز الصخري.
وحسب ما ذكره المتحدث فإن منع التشقيق الهيدروليكي في فرنسا هو قرار سياسي محض اتخذه فرانسوا هولاند الذي تولى منصب رئيس الجمهورية الفرنسية من 15 ماي 2012 حتى 14 ماي 2017 ضمن منظور مسعى استراتيجي فرنسي للتموقع كدولة قائدة وفقا للنظرية الخضراء في العلاقات الدولية التي ظهرت كمنظور جديد وفرنسا رأت في ذلك فرصة تاريخية لإستعادة نفوذها وهيمنتها الدولية فإقتنصتها ومادامت فرنسا تتوفر على بدائل طاقوية مريحة أهمها بالنسبة لها هي الطاقة النووية لذلك ترى أن الخيار الاستراتيجي أهم من الخيار التقني في ظل توفر البدائل المريحة اقتصاديا.
وتحدث الخبير مهماه بوزيـان عن تقرير خبرة فرنسي قال إنه يوصي بأهمية تقنية التشقيق الهيدروليكي التي تمّ تطويرها لمدة 65 عامًا حتى أصبحت ناضجة وقد جرى تنفيذ أكثر من مليون تشقيق بها في جميع أنحاء العالم وصولا إلى وتيرة حفر 50 ألف بئر سنوياً مع تسجيل حفر أكثر من بئر واحدة بالتشقيق الهيدروليكي من أصل كل بئرين يتم حفرهما حاليًا بغض النظر عن الغرض من هذه البئر.
وحسب الخبير نفسه فإن برلمانيي فرنسا المنتخبين من جميع الجهات .. يدافعون عن التنقيب على الغاز الصخري واستغلاله في فرنسا .. ويطالبون بـعدم شيطنة الغاز الصخري في فرنسا مستعرضا بهذا الصدد موقف السيناتور جان كلود لينوار الذي أكد أن التشقيق الهيدروليكي لا يزال هو الأسلوب الأكثر كفاءة والأسهل في الاستخدام ونمط التقنية المستخدمة اليوم لا علاقة لها بالتقنية المستخدمة من قبل .. إنه لأمر مؤسف أن بعض الناس ينتظرون دولًا أخرى للتقدم في البحث لإتخاذ قرار .
وقال الخبير مهماه بوزيان إن فرنسا لما تبيّن لها صعوبة استغلال مخزونها المتضائل من الغاز الصخري ومع ظهور أول خرائط توزع مكامن الغاز الصخري في العالم والتي تُبيّن حيازة مالي لحقل هام من الغاز غير التقليدي حملت جنودها ودخلت مالي تحت غطاء شرعية محاربة التنظيمات الإرهابية في الساحل لتبني لها قاعدة ممتدة مع النيجر تراقب من خلالها عن قرب تحولات مشهد الطاقة العالمي فإذا تمكنت ثورة الغاز الصخري من المحافظة على زخمها ونموها المضطرد عالميا فستمضي فرنسا في استغلال مكامن غيرها في مالي وفي ليبيا ضمن مخططات منظورها الاستعماري والاستغلالي البشع حين أقدمت على نشر الخراب في ليبيا مباشرة بعد اكتشاف حقل غازي هام في حوض غدامس الليبي .
مقري: الغاز الصخري ثروة مهمة.. ولكن..
قبل نحو سنتين كتب الدكتور عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم مقالا مطولا لايزال منشورا على موقع الحركة بالأنترنت تحت عنوان الغاز الصخري: هل هو الحل؟ قال فيه إن اهتمام الحكومة الجزائرية بالغاز الصخري لا يتعلق بأزمة انهيار أسعار البترول ولا بالمشكلة التمويلية الضاغطة التي من أجلها اتجهت إلى التمويل غير التقليدي. لقد تَشكّل هذا الاهتمام لأسباب أخرى أعمق من ذلك لقد كان الدافع إلى خيار الغاز الصخري شعور النخبة الحاكمة بأن المشكلة الطاقوية الأساسية ليست هبوط أسعار البترول والغاز وإنما تراجع الإنتاج وارتفاع الاستهلاك المحلي أي إنهم أدركوا بأن انقطاع السيولة عليهم ليس مؤقتا بل هي حالة دائمة ستقضي في العاجل على احتياطي الصرف بعد أن قضت على صندوق ضبط الموارد فظنوا واهمين بأن خلاصهم على العاجل في التمويل غير التقليدي وفي المدى المتوسط والبعيد في الغاز غير التقليدي. ليس لهؤلاء الحكام سوى الحلول غير التقليدية المبنية على حب المال السهل بلا إبداع ولا حاجة للتفكير الجاد من أجل خلق الثروة من قيمة العمل .
وخلص مقري إلى القول بأنه لا شك أن الغاز الصخري ثروة مهمة للجزائر باعتبار الوفرة التي ننعم بها والتي قد تتحول إلى كنز كبير يحفظ الجزائر في المستقبل ويساهم في صناعة نهضتها والتفكير في استغلال هذه الثروة والاهتمام بها أمر طبيعي لا حرج فيه بل ذلك هو المطلوب. غير أن الظروف المالية والتكنولوجية غير متوفرة للجزائر لاتخاذ قرار مستعجل في هذه المرحلة .
الحراك: لا لاستغلال الغاز الصخري
أبدت فعاليات الحراك الشعبي رفضها للتوجه نحو استغلال الغاز الصخري في منطقة الجنوب وهو الموقف الذي تمّ التعبير عنه في مظاهرات الجمعة الـ49 للحراك الشعبي التي رُفعت خلالها لافتات وشعارات من نوع لا لاستغلال الغاز الصخري و لا لبيع الصحراء .
وقال الناشط في الحراك الشعبي في ادرار والمهتم بملف البيئة والذي قاد احتجاجات عام 2015 ضد الغاز الصخري محاد قاسمي في تصريح لموقع العربي الجديد إنّ أبرز رسالة من مظاهرات مدن الصحراء كانت تعني أن أهل الصحراء ليسوا فئران تجارب وإذا عدتم عدنا .
للإشارة فقد وقّعت شركة سوناطراك للمحروقات قبل أيام اتفاقاً مع شركة بريتيش بتروليوم البريطانية و إيكينور النرويجية لاستكشاف واستغلال الموارد غير التقليدية (قالت مصادر إن من ضمنها الغاز الصخري) في الأحواض بالجنوب الجزائري.
ثالث أكبر احتياطي في العالم
قالت الندوة الأممية للتجارة والتنمية يوم الخميس 24 ماي 2018 في تقرير لها إن الجزائر من البلدان الأولى المصدرة للغاز التقليدي في إفريقيا وثالث أكبر احتياطي من حيث الغاز الصخري الممكن استرجاعه تقنيا.
وذكر تقرير لدراسة أعدتها الوكالة الأمريكية للإعلام في الطاقة سنة 2015 معتبرة ان الموارد العالمية الممكن استرجاعها تقنيا من حيث الغاز الصخري تبلغ ما يعادل 214.5 ترليون متر مكعب أي ما يكفي لـ61 سنة من الاستهلاك العالمي حسب وتيرة 2016 كما تؤكد الدراسة ان الجزائر تأتي في المرتبة الثالثة من حيث احتياطي الغاز الصخري القابل للاسترجاع بعد كل من الصين والأرجنتين.
وتملك الجزائر وحدها ما يقدر بـ707 ترليون قدم مكعب من الغاز الصخري أي بنسبة 3ر9 بالمائة من الموارد القابلة للاسترجاع تقنيا في العالم وهي نسبة تمثل أكثر من نصف ما تملكه إفريقيا.
أما فيما يتعلق بالغاز التقليدي فإن الجزائر كانت تحوز سنة 2016 على نسبة 30 بالمائة من احتياطي إفريقيا و43 بالمائة من انتاجها و65 بالمائة من صادراتها كما أن 60 بالمائة من إنتاج الجزائر من حيث الغاز الطبيعي صدرته نحو اوروبا.
وأوضح تقرير الندوة الأممية أن مجمع سوناطراك سيحتاج في حالة استغلال هذا المورد الهام (الغاز الصخري) إلى بنى تحتية وتجهيزات حديثة ومعارف ومهارات خاصة .
وترى الوكالة الأممية أنه سيتم أيضا النظر في مصير استغلال هذه الإمكانية انطلاقا من وجهة نظر الجزائر وجنوب إفريقيا باعتبار أن هذين البلدين يملكان الموارد الاساسية للقارة.
المطلوب نقاش حقيقي
ما لا شك فيه أن قضية الغاز الصخري بالغة التعقيد وتحتاج إلى نقاش حقيقي معمق يكون الخبراء والمختصون طرفه الأساسي على أن يتم تنوير الرأي العام وإحاطته بالمعطيات الكافية التي تسمح له بتشكيل رأي أو موقف عقلاني بعيدا عن تجييش العواطف والاستغلال السياسوي من هذه الجهة أو تلك..
وإذا استدعى الأمر يمكن التوجه إلى استفتاء شعبي يخص استغلال هذه الثروة بعد أن يتم وضع كل المعطيات بشأن حيثيات وإيجابيات وسلبيات استغلال الغاز الصخري في متناول الجزائريين..