ماذا يحمل الملك تشارلز الثالث في جعبته لبريطانيا؟

  • PDF


بقلم: هاني بشر*
قبل عدة سنوات دعتني شبكة موزاييك التابعة لمؤسسة الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني حينذاك للمشاركة في عدد من أنشطتها. وهذه الشبكة هي شبكة خيرية تسعى لدعم الشباب والمراهقين المسلمين في بريطانيا عبر برامج دعم وتوجيه داخل وخارج المدارس لديها تعاون مع عدد من الدول العربية منها الأردن وقطر. حينها تسنى لي أن أقترب من المؤسسة ومن أنشطتها التي يقوم على كثير منها متطوعون وموظفون من الشباب المسلم البريطاني حديثي التخرج. وبعد أن التقيت الأمير تشارلز نفسه في إحدى حفلات الاستقبال أثناء ولايته للعهد وتبادلنا لحديث عابر بدأت في رسم صورة عن شخصية الرجل ودوره الاجتماعي والعام في البلاد.
يعد الملك تشارلز الثالث المتوج حديثا ظاهرة فريدة في الحياة العامة البريطانية. فهو من الناحية الرسمية ينتمي للأسرة الملكية والتي يعرف عنها الحياد السياسي وعدم التدخل المباشر في شؤون الحكم ومن الناحية العملية فإن الرجل ما فتئ يفصح عن رأيه في عديد من القضايا الشائكة على رأسها معارضته للحرب على العراق التي شاركت فيها بريطانيا عام 2003. كما أنه زار بيت لحم في فلسطين بخلاف تصريحاته المتتالية واهتماماته التي تتنوع من البيئة للأعمال الخيرية إلى الفنون التقليدية والتي أسس لها كلية خاصة تعطي درجات الماجستير والدبلوما في الخط العربي والزخرفة الإسلامية وعلاقاته الدولية المتشعبة التي تدل على أنه شخصية مثقفة ولديها رؤية.
*سياسة حذرة
ومثل هذه الشخصيات غالبا ما تحاول تطبيق رؤيتها في الواقع. بعبارة أخرى فدور الملك الجديد لن يكون مثل دور أمه الملكة إليزابيث الراحلة فقد كانت حذرة لأقصى درجة بعد أن حنكتها الأحداث وهي التي تطوعت أثناء الحرب العالمية الثانية وكان رئيس وزرائها وينستون تشرشل وشهدت أفول الإمبراطورية البريطانية فجعلتها تتحسس خطاها ولا تغامر بأي قرار.
من الناحية النظرية يملك الملك تشارلز الثالث صلاحية حل وانعقاد البرلمان وتعيين رئيس الحكومة وإعلان الحرب وإصدار العفو الملكي وغيرها من الصلاحيات التي تنص عليها الأعراف غير المكتوبة في دستور لأن البلاد ليس فيها دستور مكتوب. ومن الناحية العملية يمارس الملك هذه الصلاحيات في إطار تشريفي أكثر منه تنفيذي أي أن الملك في بريطانيا متخلي طوعا عن بعض صلاحياته القانونية لصالح ممثلي الشعب الذين تم انتخابهم. وبالتالي فإن مقولة أن الملك في بريطانيا يملك ولا يحكم ليست دقيقة من الناحية القانونية.
الظرف التاريخي الذي يتولى فيه الملك البريطاني الجديد هو ظرف مليء بالتحديات الداخلية والخارجية على رأسها التحدي الاقتصادي الداخلي غير المعروف مآله بعد أشهر قليلة بسبب مشاكل أسعار فواتير الطاقة فضلا عن مشاكل العنصرية والإسلاموفوبيا. أيضا التحديات الخارجية في البيئة الدولية التي تموج بالمشاكل وعلى رأسها الصراع الغربي الروسي
إذا أضفنا لذلك أن الملكية في بريطانيا هي حالة تحظى بتأييد قطاعات شعبية كبيرة وأحزاب كبيرة منها مثلا حزب المحافظين الحاكم نعرف أن النظام الملكي متوغل في البلاد بدرجة كبيرة يصعب تجاوز دوره في مقابل الأصوات التي تدعو للنظام الجمهوري. هذا بالإضافة للشرعية التاريخية للنظام الملكي باعتبار أن العائلة المالكة لم ترحل وتترك لندن حين تعرضت المدينة للقصف في الحرب العالمية الثانية الأمر الذي أكسبها شعبية واحترام واسع لا يزال صداه يتردد حتى الآن.
الظرف التاريخي الذي يتولى فيه الملك البريطاني الجديد هو ظرف مليء بالتحديات الداخلية والخارجية على رأسها التحدي الاقتصادي الداخلي غير المعروف مآله بعد أشهر قليلة بسبب مشاكل أسعار فواتير الطاقة فضلا عن مشاكل العنصرية والإسلاموفوبيا. أيضا التحديات الخارجية في البيئة الدولية التي تموج بالمشاكل وعلى رأسها الصراع الغربي الروسي وهي تحديات لن يقف أمامها الملك الجديد مكتوف الأيدي إذا وصلت لأي نقطة حرجة.
هل يعني هذا أنه قد يضطر لانتزاع صلاحياته السياسية التي لم يمارسها ملك قبله خلال العهود السابقة؟ ربما ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة للتأثير في المجتمع والدولة في بريطانيا. فمجرد وجوده وتفاعله مع القضايا الراهنة سيخلق حالة اجتماعية مختلفة تماما عن بريطانيا التي عرفناها مع الملكة الراحلة إليزابيث الثانية وإن غدا لناظره قريب.