المسجد المريني الطبانة .. معلم شاهد على عراقة مستغانم

  • PDF

في حاجة إلى ترميمات حقيقية وعناية فعلية 
المسجد المريني الطبانة .. معلم شاهد على عراقة مستغانم

مستغانم المدينة العتيقة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ تزخر بمعالم أثرية وثقافية لا تزال شاهدة على أصالتها وعطاءات ساكنتها في مختلف الحقب التي مرت بها البلاد عبر العصور فمنها الآثار التي ترجع إلى العهود الغابرة على غرار مدينة كيزا الرومانية إلى محطات أخرى ترجع إلى عهد الفتوحات الإسلامية وأخرى إلى الممالك المختلفة من عهد المرابطين والموحدين والمرينيين ومنارات أخرى.
في هذه المحطة سوف تنفض أخبار اليوم الغبار عن أحد تلك المعالم البارزة والمتمثل في المسجد المريني أو مسجد طبانة الذي بني في عهد السلطان أبي عبد الله بن أبي الحسن بن سعد المريني الملقب بأبي العنان في القرن الـ 8 الهجري 742 للهجرة الموافق ل 1340 ميلادية عرف بالجامع الكبير والذي ظل يشكل بداية بناء مستغانم القديمة حيث أرفق ببناء سلسلة من الدروب المجاورة التي اتسعت مع سقوط الأندلس وهجرة قوافل الموريسكيين إلى سواحل المغرب الإسلامي إلى حين الاستنجاد بالعثمانيين وإلحاق مستغانم بحكم إيالة الجزائر. خلال حكم الثمانيين مع بداية النصف الأول من القرن الـ16 تم إنجاز عدة مرافق حيوية حول المسجد الكبير على غرار دار القايد الذي كان يشرف على تحقيق الأمن وحماية الأشخاص والممتلكات فضلا عن انجاز دار المفتي التي كانت بمثابة المحكمة التي تنظر في قضايا وأحوال الناس والفصل في النزاعات بين المتخاصمين وفقا للشريعة الإسلامية ووفق المذهبين الحنفي والمالكي كما كان ذات المكان وفي سياق توفير شتى الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية فقد تواجد سوق كبير يتوافد عليه التجار والحرفيين المختصين في بيع اللوازم المنزلية وشتى الاحتياجات والأغراض الاستهلاكية اليومية من خضروات وفواكه حسب المؤرخين.
المكان ذاته أطلق عليه الأتراك في القرن الـ 16 اسم الطبانة وهو مصطلح عثماني يقصد به *طب هنا* أي أقذف من هنا حيث يطل على واجه البحر بحصون ترافقه لمواجهة الغزاة الأجانب خصوصا الأسبان الذين ظلوا طامعين في احتلال المدن الساحلية من طبنجة بالمغرب الأقصى إلى وهران ومستغانم التي كانت محل هجوم سنة 1558 أين أنزلت بهم هزيمة نكراء في معركة مزغران الشهيرة.
العثمانيون استغلوا ذات الموقع الإستراتيجي لذات المنطقة التي كانت ترتفع بحوالي 300 م عن سطح البحر وتطل على الواجهة البحرية ليشيدوا سورا حصينا بطول 800م طوقوا به كل المدينة العتيقة التي لا تزال دروبها ومآثرها شاهدة إلى اليوم وهي في حاجة ماسة إلى الترميم كما فتحوا به أي السور عشرات الفتحات الخاصة للقناصة لمواجهة أي عدوان محتمل على المدينة ومسجدها العتيق
المسجد المريني أو الجامع الكبير يتربع على مساحة تقدر بـ1200متر مربع كما يحتوي على 450 عمودا وهو مغطى بسقف من الخشب الأحمر يرفعه 45 عمودا تتخلله قاعة الصلاة بها 52 سارية وتعلو جدار الواجهة البحرية 8 نوافذ تطل على منحدر صخري ينتهي عند سريان وادي العين الصفراء الذي يصب في البحر كما تقسم مقصورة الإمام بين قاعتي الوضوء والصلاة أما المئذنة المشكلة من 8 أصلع بجوفها سلم يرتفع في شكل حلزوني متكون من 79 عتبة.
عقب ذلك وخلال الاحتلال الفرنسي لمدينة مستغانم سنة 1833 عمل الغزاة وفي إطار سياسة تغيير المعالم وتزوير التاريخ وتزييف الحقائق في محاولات لطمس الهوية الدينية والثقافية للبلد على تحويل الجامع إلى مركز لتجميع أسلحته والذخيرة وتارات أخرى إلى فضاء لاستراحة العساكر الغزاة والمستوطنين الرعاع فيما حول في فترات أخرى إلى إسطبل للحيوانات وما كان ذلك غريبا على المحتلين الذين لم يحترموا ابسط القيم الإنسانية والدينية للشعب الجزائري وساكنة المدينة الذين تم تشريدهم بكل كل وحشية في خضم سياسات الأرض المحروقة وحروب الإبادة التي لم تتوقف إطلاقا إلى أن فرضت الهزيمة عليكم وأرغموا على مغادرة البلاد وافتكاك الاستقلال الوطني عقب تضحيات جسام ومن ذلك وسوف نتطرق عما قريب إلى فصل آخر من فصول السطوة الاستدمارية والجرائم الكبرى في حق الإنسانية ومنها محرقة أولاد رياح بشرق إقليم ولاية مستغانم التي ارتكبها الكولونيل بليسي سنة 1845 في 18 من شهر جوان وحيث سنسلط الضوء على ذلك.
وبعد استعادة السيادة الوطنية تم اعادة فتح ابواب الجامع الكبير بالمدينة العتيقة وحيث يبقى إلى اليوم شامخا ومنارة مضيئة ليواصل بعد ازيد من القرن اداء دوره الديني والتربوي وحيث سجلت به عدة ترميمات بشكل غير منظم مما جعله يفقد طابعه الاصلي جراء استخدام مواد للبناء تعارضت مع الطابع العمراني له. كما أن وزارة الثقافة كانت قد صنفته سنة 1979 كمسجد اثري يبقى شاهدا وشامخا عن أصالة مستغانم التي ظلت تشتهر برصيدها العلمي والديني حيث تنتشر الزوايا والجوامع والمساجد والمدارس القرآنية في كل ركن وزاوية.


ع. رحامنية