احتفالات يناير توحد مناطق الوطن

  • PDF

إحياء للتقاليد.. مهرجانات وعروض متنوعة 
احتفالات يناير توحد مناطق الوطن 

عاشت جل مناطق الوطن أجواء مميزة فرضها الاحتفال بيناير وبداية السنة الأمازيغية الجديدة.

البيض...يناير مناسبة للتكافل ببوسمغون
يعد الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة يناير لدى سكان منطقة بوسمغون بولاية البيض مناسبة لتقوية قيم التضامن والتآزر والحفاظ على الموروث الأمازيغي الأصيل والضارب في عمق تاريخ هذه المنطقة.
ويحرص سكان منطقة بوسمغون التي تشتهر بقصرها العتيق المعروف بالقصر الأسعد والذي تتواجد به خلوة الولي الصالح سيدي أحمد التيجاني مؤسس الطريقة التيجانية وواحتها الخلابة على الحفاظ على عاداتهم وموروثهم وتلقينه للأجيال الصاعدة خلال مختلف المناسبات على غرار يناير التي تعد فرصة لإحياء العادات والتقاليد وتراث المنطقة.
ويرى الباحث في التراث المحلي الأمازيغي وتاريخ القصور والأمين العام للجمعية الوطنية لتنمية السياحة القصورية والواحات غريسي بلحاجي أن مناسبة يناير لها رمزيتها وأهميتها لدى سكان هذه المنطقة من خلال لم شمل العائلات على مائدة واحدة تتزين عادة بطبق الكسكسي المحلي والمعروف ب أوتشو أزوار فضلا عن صلة الأرحام والأقارب وتبادل الزيارات وإطعام الفقراء.
ويتكون هذا الطبق التقليدي من مختلف أنواع البقوليات الجافة والخضروات التي يتم جنيها من واحة وبساتين بوسمغون بإضافة حبات من التمر وقليل من الحليب في مرق الكسكسي اللذان يدلان على الصفاء والبياض وهي عادة لها رمزيتها الخاصة وتعبر عن التفاؤل بعام قادم جيد وسعيد.
وأبرزت مزوزي زوبيدة وهي مختصة في الطبخ التقليدي المحلي أن يناير فرصة سانحة للمحافظة على تراث وعادات الأجداد الراسخة بهذه المنطقة.
وأشارت إلى أن من بين الأطباق التي تميز هذه الاحتفالية فضلا عن طبق الكسكسي المحلي يوجد طبق الشرشم المعروف ب ملّح دميزيد والذي لا تخلو منه موائد السمغونيين خلال هذه المناسبة والذي يتكون من الحبوب الجافة من حمص وفول وقمح فضلا عن طبق المخلط الذي يضم مختلف أنواع المكسرات.
وبالنسبة للأطفال فيقومون قبل أسبوع أو أسبوعين من مناسبة يناير بتحضير حفر تسمى حفرة يناير أو تقنونت نناير باللغة الأمازيغية على مستوى واحة بوسمغون ويتناولون يوم رأس السنة الأمازيغية فطورهم داخلها وتدل هذه العادة على تعليم الأطفال منذ الصغر تحمل المسؤولية.
وتعد لعبة تاشورت من الألعاب التقليدية التي يتم ممارستها خلال هذه المناسبة داخل واحة بوسمغون حيث يتنافس فيها فريقان داخل ملعب مستطيل الشكل ويتم تدافع الكرة المصنوعة من جلد الإبل من طرف اللاعبين الذي يرتدون اللباس التقليدي المحلي وهو الجلابة المحلية بواسطة عصي طويلة مصنوعة من خوص النخيل.
كما تشكل احتفالية رأس السنة الأمازيغية يناير مناسبة لإستذكار تاريخ الأجداد وسرد القصص القديمة المتوارثة أو ما تسمى بالمحاجية أو تينوفاس والتي يتم سردها من طرف كبار السن للأطفال المجتمعين على طبق المخلط في أجواء تسودها المحبة والأخوة.

يناير بمستغانم.. إرث ثقافي وارتباط عائلي
لا تزال العائلات المستغانمية تحتفظ بإرث ثقافي من العادات والتقاليد التي ترتبط بالاحتفال برأس السنة الأمازيغية يناير دون أن يؤثر عليها تعاقب الأجيال أو مرور السنوات.
سوق عين الصفراء يتحول إلى فضاء تقصده العائلات بحثا عن ما يرتبط بهذه الاحتفالية الوطنية من المكسرات والفواكه والحلويات والبقوليات ومستلزمات أخرى التي تصنع الحدث يومي 11 و12 يناير.
يعتبر طبق الشرشم الذي تعكف الأمهات عادة على تحضير مستلزماته قبل أيام من الناير سيد الأطباق المستغانمية فهو لا يحضر إلا لهذه المناسبة التي ترمز في الموروث المحلي لبداية موسم الشتاء وللسنة الفلاحية الجديدة.
ويتم طهي الشرشم المستغانمي المتكون من القمح غير المطحون والحمص والفول المجفف في يوم الحادي عشر من يناير بعد وضعه ليلة كاملة في إناء مملوء بالماء ليكون وجبة تتقاسمها العائلة والجيران في ما يعرف محليا باليوم الحامي (الساخن). 
وتعكف بعض العائلات المستغانمية في مناطق أخرى وخصوصا بالظهرة الغربية على تحضير طبق آخر هو الرقاق فتحضر النساء هناك ثريدا ممزوجا بمرق الخضر والدجاج أو طبقا من الكسكس يحضر بنفس الطريقة لتجتمع حوله العائلة في هذا اليوم.
وزيادة على الشرشم تجتمع النسوة في باحة الحوش (بيت يضم عدة عائلات به فناء مشترك) في الأحياء العتيقة بقصبة مستغانم على غرار السويقة التحتانية والفوقانية وسيدي معمر والزاوية حول الشاي وطبق السفنج بالزبيب الذي يحضر ظهيرة هذا اليوم ضمن عادة معروفة في المجتمع المحلي تسمى المظلة .
ويخصص اليوم الثاني للاحتفال بيناير لما يسمى بالطبق البارد أو لجراز (مع مرور السنوات أصبح يدعى المخلط ) وهو مكون من المكسرات كالفول السوداني والبلوط واللوز والجوز والفواكه المجففة كالتين والتمر والحلويات التقليدية والشكولاطة والبرتقال والموز وغيرها.
وبعد اقتناء كل مكونات المخلط تقوم العائلة المستغانمية في اليوم البارد (12 يناير) بوضع أصغر طفل بالأسرة بقصعة كبيرة لتصب عليه كل المكسرات والفواكه والحلويات على أمل أن يكون ذو حظ وفير وتقوم بعدها الأم أو الجدة بتوزيع كميات من الخليط داخل أكياس من قماش تصنع لهذا الغرض ولتكون مؤونة لمدة أيام.
ولا تزال منطقة مستغانم تحتفظ بإرث ثقافي واجتماعي آخر تقوم الأمهات والجدات بنقله شفاهة إلى الأجيال الجديدة مع عودة الاحتفال بيناير في كل سنة.
وتقوم الجدة بجمع الأطفال في حلقة صغيرة بباحة المنزل لتروي بعض الأساطير والحكايات المرتبطة بهذه المناسبة الثقافية ولعل أبرزها حكاية عجوزة الناير التي روتها لنا الحاجة خيرة من حي تيجديت العتيق وهي تؤكد بأنها أسطورة تحولت إلى عادة حميدة بترك طبق إضافي من الشرشم ليلة رأس السنة الأمازيغية لأي طارق للباب سواء كان من الجيران أو الضيوف أو عابري السبيل.

الشلف.. نشاطات ثرية 
احتضنت دار الثقافة بالشلف احتفالات رأس السنة الأمازيغية من خلال تنظيم مجموعة من النشاطات التي جسدت الثراء والتنوع الثقافي الذي تزخر به مختلف مناطق الولاية وجرت مراسم الاحتفال بهذه المناسبة بحضور السلطات الولائية والمحلية وعدد من فواعل المجتمع المدني والمهتمين بالشأن الثقافي بالإضافة إلى العائلات الشلفية وسط أجواء بهيجة ميزتها عروض فلكلورية لفرقتي الحياة وإيثران إيشنوين بالإضافة لمعارض اللباس الأمازيغي ومختلف الأطباق التي تزين المائدة المحلية احتفالا بيناير.
وترجمت هذه النشاطات العادات والتقاليد التي تستحضرها العائلة الشلفية غداة كل مناسبة يناير من بني حواء شرقا إلى غاية المرسى غربا مرورا ببني بوعتاب والكريمية جنوبا إلى غاية بوقادير غربا وهو ما استقطب القاطنة المحلية للتعرف على مظاهر احتفال بقية المناطق.
وفي هذا السياق قال أحمد عرايبي أحد المواطنين أن مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بالشلف تتنوع وتختلف من منطقة إلى أخرى و هذا ليس إلا ثراء وتعدد ثقافي لابد من ترسيخه وتوارثه لدى الأجيال القادمة حفاظا على تراث المنطقة والهوية الجزائرية والوحدة الوطنية .
كما بادرت جمعيات أحلام للتبادل الثقافي والفني الفتح دار الشباب لالة عودة الحرفة التقليدية الأصنامية الإنتصار للصناعة التقليدية والحرف النسوية و الورود الذهبية إلى تنظيم معارض الإبداعات والمنتوجات الأمازيغية الخاصة بالطبخ التقليدي وصناعة النسيج والأفرشة والحلي وكذا الأزياء التقليدية وهو ما خلق ديكورا فنيا وتقليديا جمع ما بين الأصالة والمعاصرة وشكل رابطا تاريخيا بين مختلف الأجيال.
يناير بوهران.. بين رمزية التقليد ومظاهر جديدة
يشكل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بوهران زخما مميزا تمتزج فيه مظاهر جديدة تضفي عليه نكهة خاصة مع عادات راسخة لدى العائلات التي لا تزال تحافظ على هذا الموروث الشعبي كل سنة.
ويتفنن باعة مستلزمات ما يعرف محليا بـ الناير بمختلف أسواق مدينة وهران خاصة منها سوقي حي المدينة الجديدة وشارع الأوراس في إدخال مع كل حلول لرأس السنة الأمازيغية منتجات كانت قد غابت في المحلات منذ زمن غير بعيد وأخرى جديدة لم تكن معروفة عند الأسر الوهرانية التي تحرص مع كل احتفال اقتناء الأجود والاستمتاع ب الناير في أجواء عائلية ترمز إلى تمسكهم بالموروث الثقافي الجزائري.
وتنافس الباعة على عرض تشكيلات متنوعة من المكسرات المحلية والمستوردة لجلب المستهلك وما ميز هذا الموسم هو نبات الدومة الذي حظي باهتمام كبير من قبل المستهلكين حيث يعرض أغلب الباعة فروع خضراء من هذا النبات سواء كديكور لتزيين طاولات عرض مستلزمات الناير أو لبيعها حسبما لوحظ بسوقي حي المدينة الجديدة وشارع الأوراس اللذين يستقطبان أكبر عدد من الزبائن القادمين من عدة ولايات.
وعلى الرغم من أن سعر فروع نبات الدوم الذي يعتبر من فصيلة النخليات يتراوح بين 400  و600 دج للجذع الواحد الذي قد يصل وزنه إلى أكثر من 1 كلغ غير أن الكثير من الوهرانيين يقبلون عليه مع حلول رأس السنة الأمازيغية بالنظر إلى فوائده الصحية على حد تعبير تاجر المكسرات بشارع معسكر بالقرب من سوق المدينة الجديدة .
وفي هذا الشأن قالت سيدة في العقد السبعين تقطن ببلدية بوتليليس (غرب وهران) كنا نقصد قبل حلول احتفالية الناير الجبال والغابات لقلع الدوم بحيث نصنع منه مشروبا ونصنع بأوراقه سلال لوضع المكسرات والفواكه الجافة فيما يتم تخصيص السلال الكبرى لتخزين باقي المنتجات الزراعية منها القمح والشعير والفول الجاف ليتم استهلاكها في باقي الفصول .
وأضافت هذه السيدة التي تحرص على نقل هذه العادات لأحفادها قائلة إننا نختار الدوم كونه نبات معمر وله جذور ضاربة في أعماق الأرض كثقافتنا وتاريخنا حتى تكون سنة جيدة وسعيدة...إنها عاداتنا ورثناها من الكبار وسنبقى نحافظ عليها .
كما تفننت ربات البيوت بمناسبة رأس السنة الأمازيغية في تحضير الشرشم الذي يعد الطبق البارز على موائد الوهرانيين يومي الثاني عشر من يناير بإدخال عليه بعض التغييرات من خلال إضافة منتجات فلاحية أخرى تضفى نكهة خاصة على غرار بذور الحنطة السوداء (سرزان) على الرغم من غلاء هذه المادة الغذائية بحيث يقدر سعرها بـ500 دج للكلغ الواحد فضلا على إضافة أكلات أخرى مثل الرشتة والكسكسي وغيرها من الأكلات الجزائرية المقدمة بهذه المناسبة.
وما يشد الانتباه أن المنتجات الفلاحية وفيرة ومتنوعة لاسيما المكسرات حيث للفول السوداني القادم من ولاية الوادي حصة الأسد في الأسواق وعرف إقبالا كبيرا من طرف المتسوقين بالنظر إلى مذاقه وسعره المنخفض الذي وصل إلى 300 دج للكلغ حسبما أشار إليه أحد الباعة الذي قال أنه من خيرات أرض الجزائر السخية بمنتجاتها...حتى لأصحاب الحمية الغذائية يجدون مكسرات مناسبة لهم .
كما يعمل بعض باعة الحلويات بهذه المناسبة على إعداد حلوى في شكل رموز مستوحاة من اللغة الأمازيغية إلى جانب عرض من طرف التجار أكياس من القماش تحمل حروف التيفناغ لتعبئة المكسرات.
خ. نسيمة/ق. م